الخيول في التراث العربي
شهدت الجزيرة العريية منذ آلاف السنين علاقة مميزة جمعت الخيل والصحراء والانسان العريي. ولم تكن الرابطه بين العريي والخيل مجرد وسيلة ركوب ينتقل بها المسافر، أولية يركبها المقاتل، بل علاقة امتزجت بالحب والصداقة والوفاء. فاهتم البدوي بتريية حصانه والتحف معه نفس الخيمة وشاركه طعامه وشرب معه حليب الناقة في المواسم التي تسبق الأمطار و يغيب فيها العشب.
ان تراثنا العريي الغني يحمل لنا الكثير من الدلائل والنماذج التي تبين لنا مكانة الخيل في المجتمعات العريية قبل الاسلام وبعده. لقد كان الحصان عندهم هو المال والجاه حتى أن البعض يقيم الاحتفالات عندما تلد الفرس والبعض يفضلها على عياله. وكان للخيل في الشعر العريي منزلة رفيعة فأعطوه العديد من الصفات المرتبطة بالسرعة مثلى المسح والمشرحف والسبوح. وأعطوا صفات عديدة لطول الحصان الدال على سرعته مثل السلهب والشرجب و السلجم.
فعلى سبيل المثال نرى العباس بن مرداس يصف الحصان فيقول:
جاء كلمح البرق يعتفو ناظره تسبح أولاه ويطفو آخـره
ويقول اسماعيل بن عجلان في مكانة الخيل:
و لا مال الا الخيل عندي أعده و إن كنت من حمر الدنانير موسرا
اقاسمها مالي و اطعم فضلها عيالي وارجو ان اهان و اجرا
اذا لم يكن عندي جواد رأيتني ولو كان عندي كنز قارون معسرا
و في مكان آخر نرى جعفر بن كلاب يؤثر الخيل على نفسه فيقول:
أسويها بنفسي أو بجزء فألحفها ردائي في الجليد
أما عنترة بن شداد فيصف حبه لحصانه الى الحد الذي كان فيه يذوذ عنه أثناء القتال فيقول:
أقيه بنفسيي في الحروب وأتقي بهادية انى للخليل وصول
وكلنا يتذكر حرب داحس والغبراء التي نشبت بين قبيلتي عبس وذبيان لسنوات طويلة وكان سببها خلافا حول سباق جرى بين حصان يدعى داحس وفرس تدعى الغبراء يملكهما قيس بن زهير بن جذيمة العبسي وحصان الخطار وفرس تدعى الحنفاء يملكهما حذيفة بن بدر الذبياني (1).
وجاء الاسلام ليبقي على مكانة الحصان عند العرب ويعزز مكانته ويدعو المقتدر الى امتلاكه، فدور الخيول في المعارك كان أساسيا. وقد تمت الإشارة كثيراً للخيل في كتاب الله المجيد فنجده سبحانه وتعالى يقسم بالخيل في سورة العاديات: { و العاديت ضبحا* فالموريت قدحا * فالمغيرت صبحا * فأثرن به نقعا * * فوسطن به جمعا *} صدق الله العظيم.
وفي سورة الأنفال يقول سبحانه وتعالى: { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة و من رباط الخيل *} صدق الله العظيم.
ومن ناحية أخرى نجد رسول الله محمد ابن عبدالله (ص) يحث المسلمين على اقتناء الخيل والمحافظة عليها في العديد من الأحاديث الشريفة نذكر منها:
" الخيل معقود في نواصيها الخير".
" المنفق على الخيل كالباسط يده بالصدقة لا يقبضها".
" من كان له فرس عريي فأكرمه، أكرمه الله، وإن أهانه أهانه الله ".
" عليكم بإناث الخيل فان ظهورها عز وبطونها كنز".
ونظراً لمكانة الخيل عند العرب فقد جعلت الروايات الكثيرة منها أسطورة من الأساطير. فمن ناحية تذهب بعض الروايات إلى أن الله سبحانه وتعالى خلق الخيل من ريح الجنوب، ولذا فهي سريعة في العدو. ومن ناحية أخرى يصف الرواة " البراق " الذي عرج به سيدنا محمد ( ص) الى السماء بأنه على هيئة حصان مجنح، ويروى أن " الميمون " كان حصانا مجنحا ركبه أبونا آدم في الجنة (2).
وبعض الروايات المتعلقة بالخيل تشير كذلك الى أن أصل الخيول العريية ترجع إلى ما تبقى من خيل نبي الله سليمان بعد أن عقر أغلبها عندما ألهته بجمالها عن ذكر ربة (2)، بينما رواية أخرى تقول أن أصلها يرجع الى ما تبقى من الخيل بعد السيل العرم. وقيل أن نبي الله سليمان أهدى وفداً من عمان من قبائل الأزد حصانا سمي " زاد الركب" كان له شأن فى تلك الأيام عند العرب، وتناسل منه الكثير من الخيول العريية الأصيلة (3). وقد ربط أبو الطيب المتنبي بين الخيل والكتاب، دلالة على أهمية كل منهما فى الحضارة العريية وذلك في بيته الشهير:
أغر مكان في الدنى ظفر سابح وخير جليس في الزمان كتاب
لقد كان الحصان العريي منتشرا في الجزيرة العريية أينما وجد الانسان العريي وكانت هذه السلالة الفريدة موجودة في هذه المنطقة وحدها، حتى جاءت الفتوحات العربية الاسلامية لبلاد العالم المختلفة وساهمت في انتشار دم الحصان العريي وامتزاجه مع سلالات أخرى عديدة وبالذات الأوروبية منها مما ساهم في تحسين نتاجها.
ونظراً لأهمية الحمدان العريي ومكانته العالمية ومن أجل الحفاظ على سلالته الفريدة تم تأسيس المنظمة العالمية للحصان العريي في عام 1970 وهي ما تعرف بالواهو (WAHO) . وقد بذلت دولة البحرين جهوداً كبيرة من خلال الرصد العلمي الموثق للخيول العريية الأصيلة الموجودة منذ قرنين ونيف في الاسطبل الأميري واستكملت السجلات الخاصة بكل حصان وعليه فقد أصبحت دولة البحرين عضوا يمنظمة ( الواهو) منذ عام 1972
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ
الحصان العربي
يعتبر الحصان العريي بلا منازع أجمل الخيول الموجودة على الاطلاق. فشكل جسمه يعد روعة في الجمال والتناسق، إذ يتراوح ارتفاعه من 150 الى 160 سم، ولونه اما رمادي، أو أشهب، أو بني، أو أسمر، أو أشقر، أو أدهم. يتبين من الشكل رقم (1) بأن الرأس تحيف وصغير نسبيا ويدل على الرشاقة والأصالة وتزيده جمالاً قصبة الأنف المقعرة بعض الشىء. المنخران واسعان والجبهة العريضة تباعد بين العينين السوداوين البراقتين، وتعتلي الرأس أدنان قصيرتان نهايتهما رفيعة. الرقبة طويلة ومتناسبة مع بقية أجزاء الجسم تملؤها العضلات. أما الظهر فهو قصير مكتنز والذيل مرتفع بشكل واضح (11) ويتضح من الشكل رقم (2) بأن العمود الفقري عند الحصان العريي يتميز عن غيره من الخيول بوجود سبعة عشر زوجاً من الاضلع وخمس فقرات قطنية ولست عشرة فقرة ذيلية مقارنة بثمانية عشر زوجة من
الأضلع وست فقرات قطنية وثماني عشرة فقرة ذيلية للخيول الأخرى مما يساهم في ارتفاع ذيله بخلاف سلالات الخيول الأخرى (13).
يتسم الحصان العريي كذلك بقدرته الهائلة على الصبر وتحمل الجوع والعطش والتأقلم مع حرارة الجو، اضافة الى سرعته الفائقة في العدو. ونظراً لميزاته ونقاوة سلالته استخدم في إضفاء صفات حميدة ومرغوبة على أغلب سلالات الخيول العالمية والتي أكسبها شهرة وجمالاً. لقد ساهم فتح المسلمين أرض مصر عام 20 هجرية في دخول سلالة الخيول العريية شمال أفريقيا. ومن المعتقد كذلك بأن القبائل العربية مثل بني هلال وبني سليم وغيرهما عندما نزحوا من الجزيرة العريية الى أفريقيا في هجرتهم الكبرى الى مصر سنة 109 هجرية (13) أخذوا معهم خيولهم العريية فزاد من انتشار هذه السلالة في مصر وشمال أفريقيا. من ناحية أخرى يعتقد أن الفينيقيين هم أول من ادخلوا الخيول العريية الى أوروبا، الا أنه كان للفتوحات الإسلامية دور بارز في ادخال الخيول العريية الى سلالات الخيول الأوروبية.
في القرن السابع عشر والثامن عشر تم استيراد ثلاثة من الجياد العربية الأصيلة الى انجلترا وهي:
بيرلي تورك في عام 1689
دارلي أرابيان في عام 1706
غودولفين أرابيان في عام 1706
ونتج عن تلقيح الجياد الثلاثة لخيول من السلالة الانجليزية بروز سلالة خليط جديدة تدعى Thoroughbred وهي من أغلى خيول العالم الآن لكونها الخيول المستخدمة في السباقات العالمية المعروفة في داربي ببريطانيا وكذلك في أمريكا. من ناحية أخرى نتج عن تزاوج الخيول العريية والسلالة الخليط سلالة أخرى تعرف اليوم بالأنجلو عرب (14) Anglo Arab ولها شهرتها في بريطانيا وفرنسا وتستخدم خيول هذه السلالة في استعراضات القفز ( Show Jumping ).
ان تاريخ السلالة العريية يرجع الى اكثر من 7000 سنة مضت (14). ففي أحضان شبه الجزيرة العريية نشأت الخيول بعيداً عن السلالات الأخرى الموجودة في آسيا وأوروبا، ولذا احتفظت بصفاتها النقية. وترجع الروايات بداية استئناسها الى سيدنا اسماعيل ابن ابراهيم الخليل عليهما السلام. ولقد عرف عن نبي الله سليمان بن داود شغفه بالخيل وكان يملك1200 حصانا مسرجا و 40000 حصانة تستخدم لجر العريات (14).
ورغم الاختلاف الواضح بين المؤرخين حول أصل السلالات العريية من الخيول (15)، فانه يتم ارجاع أصل الخيول العريية الى خمس جياد أصيلة كان لها شأن كبير في شبه الجزيرة العريية منذ زمن بعيد وهي:
كحيلة: جاء اسمها من سواد العينين اللتين تبدوان كالمكحولتين.
عبية: جاء اسمها من تشوالها وحفظ عباءة راكبها على ذيلها أثناء العدو.
دهمة: جاء اسمها من لونها القاتم المائل للسواد.
شويمة: جاء اسمها من الشامات الموجودة عليها.
صقلاوية: جاء اسمها من طريقة رفع حوافرها في الهواء عند العدو، أو من صقالة شعرها السابل.
وفي وقتنا الحاضر نرى الكثير من المهتمين بالخيول في جميع أنحاء العالم يحرصون على إقتناء الخيول العريية الأصيلة ونجد الآن أعداداً كبيرة من الخيول الأصيلة موجودة في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا. وقد ازداد الاهتمام في المنطقة العريية حالياً باقتناء خيول من هذه السلالة الفريدة ومنها دولة البحرين ممثلة في الاسطبل الأميري الذي حافظ على إحدى وعشرين مربطة على مدى قرنين ونيف من الزمان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ
نشأة الحصان و سلالاته
يمكن تتبع تاريخ نشأة الحصان الى فترة تزيد عن الستين مليون سنة. فقد دلت الأحافير الى أن أصل الحصان كان موجودا في القارة الأمريكية آنذاك وكان حجمه أصغر بكثير مما هو عليه الآن.
ومن الدراسات الميدانية استدل العلماء على أن الحصان في صورته الحالية كان موجودا في السهول والبراري الآسيوية منذ ما يقرب من المليون سنة. لقد انتقل الحصان من موطنه الأصلي في أمريكا الى أوروبا وآسيا منذ زمن بعيد وانتشر بفضل الجسور التي ربطت القارات في فترة العصور الجليدية. ومع انحسار الجليد وانعزال جماعات الحصان في أوروبا وآسيا عن تلك التي بقيت في أمريكا منذ حوالي 10000 سنة، انقرض الحصان من موطنه الأصلي لكنه بقي في المناطق الأخرى وبشكل خاص في آسيا ( 4).
وقبل أن يتمكن الانسان من استئناس الخيول كانت توجد آنذاك أربع سلالات قديمة ترجع الى الحصان الأول، سلالتان من الخيول وسلالتان من البوني. وقد أعطت سلالة البوني الأولى ما هو معروف الآن ببوني أكسمور في انجلترا، وعاشت السلالة الأخرى من البوني في المناطق الباردة من أوروبا وآسيا. أما بالنسبة الى سلالتي الخيول فواحدة كانت تقطن بعض السهول في أواسط آسيا والأخرى كانت تعيش في المناطق الغربية من آسيا وهي ما يعتقد العلماء بأنها أصل السلالة الأهم من الخيول ألا وهي سلالة الحصان العربي كما نعرفها حاليا. لقد تمكن الانسان من استئناس. العديد من الحيوانات واستخدمها في حياته اليومية. فاستأنس الخراف والأغنام في غرب آسيا وشمال الجزيرة العريية قبل حوالي 11000 سنة (5)، أما الخيول فتدل الشواهد على أن الانسان تمكن من استئناسها منذ فترة تزيد عن 5000 سنة في السهول القريبة من منطقة بحر قزوين (6,5). وباختراع العجلة والعريات التي تجرها الحيوانات تمكن السومريون فيما
تعليق