الزفاف البحريني التقليدي
طقوس وممارسات جميلة تكاد أن تندثر، نسمع تفاصيلها من جداتنا وأمهاتنا اللواتي تزوجن بتلك الطريقة ونلمس بقاياها في أعراس اليوم. قبل أن تختفي تلك العادات وتبقى مجرد ذكرى نرويها لأبنائنا وأحفادنا، تقدم لكم مجلة "حياتي تفاصيل تلك الليلة والتجهيزات التي يتم التحضير لها مسبقا.
كيف تتم الخطبة:
كانت الفتاة تؤول لابن عمها او خالها أو أحد أقاربها منذ صغرها، ولا تستطيع بعد ذلك ان تغير مصيرها الذي أجبرتها عليه أسرتها، لنلك كانت العائلات الأخرى تتردد في خطبة الفتاة إن كان لها ابن عم أو خال، فتستعين بالخطابة لكي تبحث عن فتاة مناسبة.
تبدا الخطبة عادة بين نساء العائلتين، اذ تزور عمة أو خالة العريس عائلة الفتاة المراد خطبتها لطلب يدها من والدتها، وتكون هذه مرحلة أولية للتأكد من قبول عائلة الفتاة للعريس قبل ذهاب والده إلى والد الفتاة، إذ ليس من المقبول أن يرفض طلب الرجال، وبعد أيام من الزيارة الأولى تعاود النساء من أهل الخاطب زيارة بيت الفتاة لمعرفة رأيهم الأخير في موضوع الخطبة، فإن وافقوا، قام والد الخاطب بزيارتهم في ليلة تحددها عائلة الفتاة لطلب يد ابنتهم لولده رسميا، وتنتهي تلك الزيارة غالبا بتحديد موعد عقد القران والزفاف.
وبعد ذلك اللقاء بأيام، تخرج نساء عائلة الخاطب مع جمع من نساء الحي في ليلة غالبا ما تكون مقمرة وهن يحملن المهر المتفق عليه سلفا في موكب يطلق عليه اسم التسليمة أي تسليم المهر لأهل المخطوبة، كما يحملن معهن صرة تجمع فيها الثياب المقدمة للعروس من العريس وأهله. كما تصف الحلويات والمكسرات في صواني كبيرة تغطى عادة بقطع من القماش الملون يحملنها على رؤوسهن. وفي أثناء سير الموكب إلى بيت المخطوبة، تردد النساء الأغاني والأهازيج ويزغردن فرحا. ومن أشهر الأغاني التي تردد في تلك المناسبة:
لوما دلالك ما عنينا لك وصبي غاويَ وانقيناه لك
لو ما دلالك ما تعنينا ولا خطبناك ولا جينا
وما أن يصل وفد التسليمة بيت المخطوبة حتى ترتفع الزغاريد والتصفيق من النساء المتجمعات، ثم يسلمن المهر والهدايا إلى والدة المخطوبة، و يبدأن في الغناء والتصفيق حتى ساعة متأخرة من الليل.
التحضيرات لليلة الزفاف:
بعد أن تنتهي ليلة التسليمة ويقبض أهل المخطوبة المهر والهدايا، يبدأ أهل العروس في
إعداد غرفة للعروسين في بيتهم تسمى الفرشة، إذ جرت العادة أن يبقى العريس في بيت العروس بعد ليلة الزفاف.
ويوكل أمر إعداد الفرشة عادة إلى امرأة محترفة ومتخصصة في هذه الأمور تسمى "الفرشة" تقوم بتغطية جدران الغرفة وسقفها بقماش أحمر يطلق عليه اسم "بنديرة" وفي بعض الأحيان تغطي البنديرة سقف الغرفة فقط وتغطى الجدران بأقمشة لماعة ذات ألوان مختلفة تسمى السناح يتدلى من السقف حتى أرضية الحجرة، كما تعلق على السناح عدة أثواب من النشل- ثوب واسع مزين بخيوط ذهبية ونقوش جميلة تلبسه الفتيات في المناسبات والأعياد إذ تعطي تلك الأثوب منظرا جميلا أخاذا للغرفة. ترص عدة مرايا كبيرقي فوق البنديرة أو السناح تسمى "المناظر" تتدلى من وسط كل منظرة كرة زجاجية كبيرة تسمى رمانة، كما تعلق تلك الرمانات المختلفة الأحجام في سقف الغرفة مع بعض القناديل التي يطلق عليها اسم الشموع.
عقد القران:
عادة ما يسبق موعد عقد القران ليلة الزفاف بعدة ليالي. اذ يذهب العريس مع بعض من أفراد عائلته ومعهم المأذون "الشيخ" إلى بيت العروس، حيث جرى العرف أن يعقد القران في بيت الزوجة تلافيا لخروج الزوجة من بيتها قبل الزواج، يكون والد المخطوبة وأعمامها وبقية أهلها في انتظار قدوم الشيخ، وما ان يدخل الوفد بيت المخطوبة حتى ترتفع الزغاريد والأغاني من النسوة وتقدم أطباق الحلوى والفواكه والمكسرات وفناجين القهوة العربية.
بعد الانتهاء من شرب القهوة يبدأ الشيخ في إجراءات عقد القران ثم ينتقل مع الشهود إلى
المخطوبة الموجودة في الغرفة المجاورة لتكملة بقية الإجراءات وسماع قبولها للزواج من الخاطب، بعدها يبارك الحاضرون للعريس ويتمنون له حياة سعيدة مليئة بالخير والسعادة والذرية الصالحة.
قراءة المولد:
جرت العادة أن تبقى العروس بعد عقد القران في البيت لا تبارحه مطلقا إلا بعد تمام الزواج، اذ ليس من اللائق ان يرى الناس وجهها قبل ليلة الزفاف ولا يراها خلال هذه الفترة غير الداية وهي المرأة المكلفة بتهيئة وتزيين العروس.
تدبغ الداية جسم العروس بمادة الكركم ثلاثة أيام متتالية، ثم تزيلها بالماء والصابون حتى يصبح لون بشرتها آبيضا ناصعا.
وفي صبيحة الأيام الأخيرة قبل موعد الزفاف يأخذ أهل العروس الفتاة إلى العيون الطبيعية لغسل شعرها، وهناك تقوم الداية بتنظيفها وإزالة الشوائب من جسدها وتعطيرها بالطيوب والبخور.
بعد الانتهاء من تلك العملية تلبس العروس رداء جميلا مزركشا ويأخذها أهلها إلى أحد المساجد ليقرأوا مولد النبي على مسمع العروس ويقومون بتقميع أظافر يديها ورجليها بوضع مادة الخضاب السوداء- حرق قمع ثمر جوز الهند ووضع السائل المحروق على أظافر الرجلين واليدين، ثم يتم توزيع الحلويات والمكسرات على الحاضرات.
ليلة الحناء:
تسبق ليلة الحناء ليلة الزفاف بيومين، حيث تقوم امرأة متخصصة تسمى الخضابة بعمل الحناء ووضع الحنة على كفي وقدمي العروس ويطلق على هذه العملية اسم حنة عجين وذلك بأن تعمل عجينة من الطحين وتبرم على شكل خيوط ثم تلصق على هيئة طرز هندسية جميلة في الكفين والقدمين، وتوضع الحناء على كامل الكفين والقدمين بحيث تغطي الزخرفة المعمولة من العجين سابقا، ثم يترك العجين والحناء لفترة حتى يجفا، وتنام العروس وهـي بذلك الوضع حتى الصباح. ثم يزال العجين ويغسل الحناء لتبقى التشكيلات البيضاء الجميلة التي لم يلامسها الحناء الأحمر، وتتكرر عملية الحناء العجين في الليلة التالية حتى تصبح النقوش والزخرفة ثابتة وناصعة. ومن أشهر الأغاني التي تردد في تلك الليلة وتتضمن وصفا لجمال العروس إرشادات طريفة لها:
حناك عجين يابنية حناك عجين
ولين دزوك على المعرس بالك تستحين
حناك ورق يا بنية حناك ورق
ولين دزوك على المعرس زخي من العرق
ليلة التجليسة:
وتسمى أيضا بالجلوة حيث يتجمع المدعوون بعد صلاة العصر في بيت العروس التي تجلس على كرسي مرتفع مرتدية ثوب
نشل أخضر اللون مطرزا ومزخرفا بخيوط الذهب، وتحت الثوب سروال محجل ومزين بخيوط الزري، وتضع العروس غطاءا كبيرا على رأسها يسمى "المشمر" وهو نفسه الذي استخدمته في ليلة الحناء، ثم شالا مزخرفا بخيوط الذهب أيضا، من المهم تغطية وجه العروس بقطعة من القماش تسمى الغشواية، كما تنتعل العروس صندلا محلى بالزري وتضع الصوغ في معصميها وحجليها وعلى رأسها وصدرها، ثم تقوم الداية بمسح يدين العروس ورجليها بمزيج من الزعفران المنقوع في ماء الورد ويوزع نفس المزيج على الحاضرات ليمسحن به وجوههن.
بعد ذلك تقف أربع من النساء ويمسكن بأطراف مشمر أخضر كبير مرفوع على رأس العروس، بينما تجلس امرأة أحرى بجانب العروس تتلو عليها دعاء ليوفقها الله في حياتها الجديدة ويسعدها مع زوجها، ثم تجلس بعض الفتيات بجانب العروس يرتدين أحلى ملابسهن ويرقصن في الحفلة بضفائرهن الكثيرة والمزينة بالمشموم والورد والياسمين، حيث يجلسن في صفين متقابلين ويبدأن بالرقص وهز رؤوسهن مع تمايل أجسامهن يسارا ويمينا مع الإيقاع.
يذهب العريس في عصرية يهم الزفاف مع إخوته وأصدقائه إلى احدى العيون الطبيعية للاستحمام وإزالة الشوائب من جسمه استعدادا لليلة الزفاف، ثم يعود لتأدية صلاة المغرب حيث يلبس العريس ملابسه الجديدة ويتعطر ويتبخر بالطيب والعود ويتقلد سيفا مذهبا، ثم تدور أمه حوله قارئة التعويذات من القران الكريم حتى تبعد الحسد عنه، وبعد صلاة العشاء يعود العريس من المسجد إلى بيت أبيه الذي أعد وليمة عشاء للمدعوين، ثم يجلس معه ومع أعمامه في صدر المكان المهيأ لاستقبال المباركين والمهنئين بتلك الليلة المباركة.
بعد ذلك يمتطي العريس حصانا أعد خصيصا لهذه المناسبة ويتجمع حوله الأهل والأقارب والأصدقاء وأهالي الحي والأطفال ترافقهم فرقة من الطبالين والزمارين ونافخي القرب يرقصون ويعزفون ويؤدون فن العاشوري، يسير هذا الموكب باتجاه بيت العروس حيث يقوم اهل العريسين وأصدقائهم بنثر الحلويات والمكسرات ورمي النقود ورش ماء الورد من نوافذ البيوت وسطوحها على الموكب الذي يسمى بالزفة تعبيرا عن فرحتهم بهذه المناسبة السعيدة وعادة ما يردد آصدقاء العريس بعض الأهازيج الدينية
مثل:
صلي وسلم عليه صلوات ربي عليه
محمد وآل محمد صلوات ربي عليه
ياجماله ياكماله صلوات ربي عليه
يا مشارك له بارك له
يا مشارك له بارك له
و قبل أن يصل موكب الزفة بيت العروس، يدخل العريس مع أصحابه أحد المساجد لتأدية الصلاة ثم يواصل الموكب سيره حتى يصل. تستقبل النساء الموكب بالغناء والزغاريد والتصفيق، ثم يستريح العريس والموكب استراحة قصيرة يتناول فيها المدعوون بعض الحلوى والقهوة والشاي بعدها يتم تبخيرهم بالطيب ورشهم بماء الورد المعطر، ثم يقوم أصدقاء العريس بتوديعه متمنين له السعادة والذرية الصالحة، فيبدأ دور النساء في إكمال بقية مراسم الزفاف.
العروس في ليلة الزفاف:
تلبس العروس في تلك الليلة أجمل ثيابها وتستدعي العجافة وهي امرأة متخصصة في تضفير الشعر وتزيينه وعمل التسريحات الدارجة في تلك الفترة مثل "الفلعة" و"الشخط"، فتسرح شعر العروس. وتزينه بأزهار الياسمين والمشموم وتتعطر بأحسن أنواع الطيب كدهن العود والصندل والمشموم، وتمسح بالرشوش في مفارق شعر العروس. يحضر الرشوش عن طريق مزج الورد المحمدي المجفف والمطحون مع بعض العطورات السائلة المعروفة كالمسك والصندل والعنبر والزعفران والزباد والريحان وماء الورد ودهن العنبر.
تتحلى العروس بأكثر ما يمكنها من الحلي الذهبية، فتضع على رأسها القبقب وهو تاج من الذهب مرصع بالأحجار الكريمة أو تضع قبعة من سف الذهب تتدلى منها وريقات ذهبية وتلبس أقراطا ذهبية في أذنيها وتضع الخزامة في ثقب أنفها من الجهة اليمنى و الزمام في ثقب انفها من الجهة اليسرى- الخزامة والزمام حليتان ذهبيتان مصممتان للأنف- وتتدلى من صدر العروس قلادة ذهبية كبيرة وتضع في يديها أساور ذهبية قد تكون المضاعد أو حب الهيل أو البناجري أو سف الحصير أو أنواع أخرى، كما أنها تضع الخواتم والدبل في أصابعها والحجول الذهبية في رجليها. وبعد أن تكتمل زينتها تجلس العروس في غرفة أخرى غير غرفة الفرشة بانتظار قدوم العريس، ويجلس باقي النسوة في فناء المنزل يرددن أغاني الزفاف ويصفقن ويزغردن،
من اشهر تلك الأغنيات:
بان الصبح بانيه وايه بان الصبح بانيه وايه
بان الصبح بان وبان وحبيبي ما بان وايه
يا اسمر اللون ومن قالك تجي زعلان
لين تعبت النوق زميتك على الذرعان
يا اسمر اللون صايبني عليك جنون
والعشق يبغي لطافه ما يريد جنون
مراسم الاحتفال:
عند وصول العريس تلف العروس في بساط جميل وتحمل إلى الفرشة حيث يكون زوجها بانتظارها، وتبدأ المراسم بان تدعو الداية العروسين إلى وسط فناء البيت وتجلس كل منهما في مواجهة الآخر، ثم تحضر طبقا كبيرا من الفخار وتضع قدمي العروسين فيه بحيث يتلامس إبهام كل منهما مع الآخر، ثم تغسل رجليهما بماء الورد، خلال ذلك يقوم العريس برمي عملات نقدية وأحيانا ذهبية في ذلك الطبق.
بعد الانتهاء من ذلك تمسك أربع نساء بقماش حريري مزخرف بنقوش ملونة ويظللن به رأس العروسين، ثم تبدأ إحدى النسوة بإنشاد أغنية المتورب، بينما تحرك النساء الأربع هذا الرداء من أسفل إلى أعلى وبالعكس على إيقاعات تلك الأغنية التي تشبه الموشحات الاندلسية في اللحن.
وبعد أن ينتهي المتورب يدخل العروسان إلى الفرشة، ويقوم العريس برفع الغشواية عن وجه العروس بعد أن يدفع مبلغا من المال نظير ذلك.
صباحية العرس:
يقدم العريس هدية في صباح اليوم التالي للزفاف لعروسه ويدفع مبلغا من المال قبل خروجها من الفرشة صباحا، تسمى تلك الهدية الصباحية وهي عبارة عن عقد أو خاتم أو قطعة نقود ذهبية على حسب استطاعته، ثم يذهب الزوج لزيارة والديه ويعود بعدها الى بيت العروس لاستقبال المهنئين والمباركين، وفي اليوم الثالث بعد الزواج تقوم أم العريس بزيارة العروس وتحمل لها الهدايا من أهل العريس.
الحوال:
جرت العادة أن يقيم الزوج في بيت أهل زوجته قرابة الأسبوعين، وفي ليلة اليوم الخامس عشر من الزواج يبدأ "الحوال" أي انتقال الزوجين إلى بيتهم، ويجري الحوال في جو مليء بالفرح والبهجة،
وتقوم النساء بترديد بعض الأغاني والأهازيج وهن في طريقهن إلى بيت الزوج مع العروس، منها:
رحنا وجينا بها رحنا وجينا بها
أما تكثرون الممروس وإلا ردينا بها
سبعة خواتم على السارية قومي اطلعي له يالغالية
سبعة خواتم على السيسبان ساعة يقلبها وساعة ينام
وتزور العروس والديها في صبيحة اليوم التالي للحوال.
منقوووول
طقوس وممارسات جميلة تكاد أن تندثر، نسمع تفاصيلها من جداتنا وأمهاتنا اللواتي تزوجن بتلك الطريقة ونلمس بقاياها في أعراس اليوم. قبل أن تختفي تلك العادات وتبقى مجرد ذكرى نرويها لأبنائنا وأحفادنا، تقدم لكم مجلة "حياتي تفاصيل تلك الليلة والتجهيزات التي يتم التحضير لها مسبقا.
كيف تتم الخطبة:
كانت الفتاة تؤول لابن عمها او خالها أو أحد أقاربها منذ صغرها، ولا تستطيع بعد ذلك ان تغير مصيرها الذي أجبرتها عليه أسرتها، لنلك كانت العائلات الأخرى تتردد في خطبة الفتاة إن كان لها ابن عم أو خال، فتستعين بالخطابة لكي تبحث عن فتاة مناسبة.
تبدا الخطبة عادة بين نساء العائلتين، اذ تزور عمة أو خالة العريس عائلة الفتاة المراد خطبتها لطلب يدها من والدتها، وتكون هذه مرحلة أولية للتأكد من قبول عائلة الفتاة للعريس قبل ذهاب والده إلى والد الفتاة، إذ ليس من المقبول أن يرفض طلب الرجال، وبعد أيام من الزيارة الأولى تعاود النساء من أهل الخاطب زيارة بيت الفتاة لمعرفة رأيهم الأخير في موضوع الخطبة، فإن وافقوا، قام والد الخاطب بزيارتهم في ليلة تحددها عائلة الفتاة لطلب يد ابنتهم لولده رسميا، وتنتهي تلك الزيارة غالبا بتحديد موعد عقد القران والزفاف.
وبعد ذلك اللقاء بأيام، تخرج نساء عائلة الخاطب مع جمع من نساء الحي في ليلة غالبا ما تكون مقمرة وهن يحملن المهر المتفق عليه سلفا في موكب يطلق عليه اسم التسليمة أي تسليم المهر لأهل المخطوبة، كما يحملن معهن صرة تجمع فيها الثياب المقدمة للعروس من العريس وأهله. كما تصف الحلويات والمكسرات في صواني كبيرة تغطى عادة بقطع من القماش الملون يحملنها على رؤوسهن. وفي أثناء سير الموكب إلى بيت المخطوبة، تردد النساء الأغاني والأهازيج ويزغردن فرحا. ومن أشهر الأغاني التي تردد في تلك المناسبة:
لوما دلالك ما عنينا لك وصبي غاويَ وانقيناه لك
لو ما دلالك ما تعنينا ولا خطبناك ولا جينا
وما أن يصل وفد التسليمة بيت المخطوبة حتى ترتفع الزغاريد والتصفيق من النساء المتجمعات، ثم يسلمن المهر والهدايا إلى والدة المخطوبة، و يبدأن في الغناء والتصفيق حتى ساعة متأخرة من الليل.
التحضيرات لليلة الزفاف:
بعد أن تنتهي ليلة التسليمة ويقبض أهل المخطوبة المهر والهدايا، يبدأ أهل العروس في
إعداد غرفة للعروسين في بيتهم تسمى الفرشة، إذ جرت العادة أن يبقى العريس في بيت العروس بعد ليلة الزفاف.
ويوكل أمر إعداد الفرشة عادة إلى امرأة محترفة ومتخصصة في هذه الأمور تسمى "الفرشة" تقوم بتغطية جدران الغرفة وسقفها بقماش أحمر يطلق عليه اسم "بنديرة" وفي بعض الأحيان تغطي البنديرة سقف الغرفة فقط وتغطى الجدران بأقمشة لماعة ذات ألوان مختلفة تسمى السناح يتدلى من السقف حتى أرضية الحجرة، كما تعلق على السناح عدة أثواب من النشل- ثوب واسع مزين بخيوط ذهبية ونقوش جميلة تلبسه الفتيات في المناسبات والأعياد إذ تعطي تلك الأثوب منظرا جميلا أخاذا للغرفة. ترص عدة مرايا كبيرقي فوق البنديرة أو السناح تسمى "المناظر" تتدلى من وسط كل منظرة كرة زجاجية كبيرة تسمى رمانة، كما تعلق تلك الرمانات المختلفة الأحجام في سقف الغرفة مع بعض القناديل التي يطلق عليها اسم الشموع.
عقد القران:
عادة ما يسبق موعد عقد القران ليلة الزفاف بعدة ليالي. اذ يذهب العريس مع بعض من أفراد عائلته ومعهم المأذون "الشيخ" إلى بيت العروس، حيث جرى العرف أن يعقد القران في بيت الزوجة تلافيا لخروج الزوجة من بيتها قبل الزواج، يكون والد المخطوبة وأعمامها وبقية أهلها في انتظار قدوم الشيخ، وما ان يدخل الوفد بيت المخطوبة حتى ترتفع الزغاريد والأغاني من النسوة وتقدم أطباق الحلوى والفواكه والمكسرات وفناجين القهوة العربية.
بعد الانتهاء من شرب القهوة يبدأ الشيخ في إجراءات عقد القران ثم ينتقل مع الشهود إلى
المخطوبة الموجودة في الغرفة المجاورة لتكملة بقية الإجراءات وسماع قبولها للزواج من الخاطب، بعدها يبارك الحاضرون للعريس ويتمنون له حياة سعيدة مليئة بالخير والسعادة والذرية الصالحة.
قراءة المولد:
جرت العادة أن تبقى العروس بعد عقد القران في البيت لا تبارحه مطلقا إلا بعد تمام الزواج، اذ ليس من اللائق ان يرى الناس وجهها قبل ليلة الزفاف ولا يراها خلال هذه الفترة غير الداية وهي المرأة المكلفة بتهيئة وتزيين العروس.
تدبغ الداية جسم العروس بمادة الكركم ثلاثة أيام متتالية، ثم تزيلها بالماء والصابون حتى يصبح لون بشرتها آبيضا ناصعا.
وفي صبيحة الأيام الأخيرة قبل موعد الزفاف يأخذ أهل العروس الفتاة إلى العيون الطبيعية لغسل شعرها، وهناك تقوم الداية بتنظيفها وإزالة الشوائب من جسدها وتعطيرها بالطيوب والبخور.
بعد الانتهاء من تلك العملية تلبس العروس رداء جميلا مزركشا ويأخذها أهلها إلى أحد المساجد ليقرأوا مولد النبي على مسمع العروس ويقومون بتقميع أظافر يديها ورجليها بوضع مادة الخضاب السوداء- حرق قمع ثمر جوز الهند ووضع السائل المحروق على أظافر الرجلين واليدين، ثم يتم توزيع الحلويات والمكسرات على الحاضرات.
ليلة الحناء:
تسبق ليلة الحناء ليلة الزفاف بيومين، حيث تقوم امرأة متخصصة تسمى الخضابة بعمل الحناء ووضع الحنة على كفي وقدمي العروس ويطلق على هذه العملية اسم حنة عجين وذلك بأن تعمل عجينة من الطحين وتبرم على شكل خيوط ثم تلصق على هيئة طرز هندسية جميلة في الكفين والقدمين، وتوضع الحناء على كامل الكفين والقدمين بحيث تغطي الزخرفة المعمولة من العجين سابقا، ثم يترك العجين والحناء لفترة حتى يجفا، وتنام العروس وهـي بذلك الوضع حتى الصباح. ثم يزال العجين ويغسل الحناء لتبقى التشكيلات البيضاء الجميلة التي لم يلامسها الحناء الأحمر، وتتكرر عملية الحناء العجين في الليلة التالية حتى تصبح النقوش والزخرفة ثابتة وناصعة. ومن أشهر الأغاني التي تردد في تلك الليلة وتتضمن وصفا لجمال العروس إرشادات طريفة لها:
حناك عجين يابنية حناك عجين
ولين دزوك على المعرس بالك تستحين
حناك ورق يا بنية حناك ورق
ولين دزوك على المعرس زخي من العرق
ليلة التجليسة:
وتسمى أيضا بالجلوة حيث يتجمع المدعوون بعد صلاة العصر في بيت العروس التي تجلس على كرسي مرتفع مرتدية ثوب
نشل أخضر اللون مطرزا ومزخرفا بخيوط الذهب، وتحت الثوب سروال محجل ومزين بخيوط الزري، وتضع العروس غطاءا كبيرا على رأسها يسمى "المشمر" وهو نفسه الذي استخدمته في ليلة الحناء، ثم شالا مزخرفا بخيوط الذهب أيضا، من المهم تغطية وجه العروس بقطعة من القماش تسمى الغشواية، كما تنتعل العروس صندلا محلى بالزري وتضع الصوغ في معصميها وحجليها وعلى رأسها وصدرها، ثم تقوم الداية بمسح يدين العروس ورجليها بمزيج من الزعفران المنقوع في ماء الورد ويوزع نفس المزيج على الحاضرات ليمسحن به وجوههن.
بعد ذلك تقف أربع من النساء ويمسكن بأطراف مشمر أخضر كبير مرفوع على رأس العروس، بينما تجلس امرأة أحرى بجانب العروس تتلو عليها دعاء ليوفقها الله في حياتها الجديدة ويسعدها مع زوجها، ثم تجلس بعض الفتيات بجانب العروس يرتدين أحلى ملابسهن ويرقصن في الحفلة بضفائرهن الكثيرة والمزينة بالمشموم والورد والياسمين، حيث يجلسن في صفين متقابلين ويبدأن بالرقص وهز رؤوسهن مع تمايل أجسامهن يسارا ويمينا مع الإيقاع.
يذهب العريس في عصرية يهم الزفاف مع إخوته وأصدقائه إلى احدى العيون الطبيعية للاستحمام وإزالة الشوائب من جسمه استعدادا لليلة الزفاف، ثم يعود لتأدية صلاة المغرب حيث يلبس العريس ملابسه الجديدة ويتعطر ويتبخر بالطيب والعود ويتقلد سيفا مذهبا، ثم تدور أمه حوله قارئة التعويذات من القران الكريم حتى تبعد الحسد عنه، وبعد صلاة العشاء يعود العريس من المسجد إلى بيت أبيه الذي أعد وليمة عشاء للمدعوين، ثم يجلس معه ومع أعمامه في صدر المكان المهيأ لاستقبال المباركين والمهنئين بتلك الليلة المباركة.
بعد ذلك يمتطي العريس حصانا أعد خصيصا لهذه المناسبة ويتجمع حوله الأهل والأقارب والأصدقاء وأهالي الحي والأطفال ترافقهم فرقة من الطبالين والزمارين ونافخي القرب يرقصون ويعزفون ويؤدون فن العاشوري، يسير هذا الموكب باتجاه بيت العروس حيث يقوم اهل العريسين وأصدقائهم بنثر الحلويات والمكسرات ورمي النقود ورش ماء الورد من نوافذ البيوت وسطوحها على الموكب الذي يسمى بالزفة تعبيرا عن فرحتهم بهذه المناسبة السعيدة وعادة ما يردد آصدقاء العريس بعض الأهازيج الدينية
مثل:
صلي وسلم عليه صلوات ربي عليه
محمد وآل محمد صلوات ربي عليه
ياجماله ياكماله صلوات ربي عليه
يا مشارك له بارك له
يا مشارك له بارك له
و قبل أن يصل موكب الزفة بيت العروس، يدخل العريس مع أصحابه أحد المساجد لتأدية الصلاة ثم يواصل الموكب سيره حتى يصل. تستقبل النساء الموكب بالغناء والزغاريد والتصفيق، ثم يستريح العريس والموكب استراحة قصيرة يتناول فيها المدعوون بعض الحلوى والقهوة والشاي بعدها يتم تبخيرهم بالطيب ورشهم بماء الورد المعطر، ثم يقوم أصدقاء العريس بتوديعه متمنين له السعادة والذرية الصالحة، فيبدأ دور النساء في إكمال بقية مراسم الزفاف.
العروس في ليلة الزفاف:
تلبس العروس في تلك الليلة أجمل ثيابها وتستدعي العجافة وهي امرأة متخصصة في تضفير الشعر وتزيينه وعمل التسريحات الدارجة في تلك الفترة مثل "الفلعة" و"الشخط"، فتسرح شعر العروس. وتزينه بأزهار الياسمين والمشموم وتتعطر بأحسن أنواع الطيب كدهن العود والصندل والمشموم، وتمسح بالرشوش في مفارق شعر العروس. يحضر الرشوش عن طريق مزج الورد المحمدي المجفف والمطحون مع بعض العطورات السائلة المعروفة كالمسك والصندل والعنبر والزعفران والزباد والريحان وماء الورد ودهن العنبر.
تتحلى العروس بأكثر ما يمكنها من الحلي الذهبية، فتضع على رأسها القبقب وهو تاج من الذهب مرصع بالأحجار الكريمة أو تضع قبعة من سف الذهب تتدلى منها وريقات ذهبية وتلبس أقراطا ذهبية في أذنيها وتضع الخزامة في ثقب أنفها من الجهة اليمنى و الزمام في ثقب انفها من الجهة اليسرى- الخزامة والزمام حليتان ذهبيتان مصممتان للأنف- وتتدلى من صدر العروس قلادة ذهبية كبيرة وتضع في يديها أساور ذهبية قد تكون المضاعد أو حب الهيل أو البناجري أو سف الحصير أو أنواع أخرى، كما أنها تضع الخواتم والدبل في أصابعها والحجول الذهبية في رجليها. وبعد أن تكتمل زينتها تجلس العروس في غرفة أخرى غير غرفة الفرشة بانتظار قدوم العريس، ويجلس باقي النسوة في فناء المنزل يرددن أغاني الزفاف ويصفقن ويزغردن،
من اشهر تلك الأغنيات:
بان الصبح بانيه وايه بان الصبح بانيه وايه
بان الصبح بان وبان وحبيبي ما بان وايه
يا اسمر اللون ومن قالك تجي زعلان
لين تعبت النوق زميتك على الذرعان
يا اسمر اللون صايبني عليك جنون
والعشق يبغي لطافه ما يريد جنون
مراسم الاحتفال:
عند وصول العريس تلف العروس في بساط جميل وتحمل إلى الفرشة حيث يكون زوجها بانتظارها، وتبدأ المراسم بان تدعو الداية العروسين إلى وسط فناء البيت وتجلس كل منهما في مواجهة الآخر، ثم تحضر طبقا كبيرا من الفخار وتضع قدمي العروسين فيه بحيث يتلامس إبهام كل منهما مع الآخر، ثم تغسل رجليهما بماء الورد، خلال ذلك يقوم العريس برمي عملات نقدية وأحيانا ذهبية في ذلك الطبق.
بعد الانتهاء من ذلك تمسك أربع نساء بقماش حريري مزخرف بنقوش ملونة ويظللن به رأس العروسين، ثم تبدأ إحدى النسوة بإنشاد أغنية المتورب، بينما تحرك النساء الأربع هذا الرداء من أسفل إلى أعلى وبالعكس على إيقاعات تلك الأغنية التي تشبه الموشحات الاندلسية في اللحن.
وبعد أن ينتهي المتورب يدخل العروسان إلى الفرشة، ويقوم العريس برفع الغشواية عن وجه العروس بعد أن يدفع مبلغا من المال نظير ذلك.
صباحية العرس:
يقدم العريس هدية في صباح اليوم التالي للزفاف لعروسه ويدفع مبلغا من المال قبل خروجها من الفرشة صباحا، تسمى تلك الهدية الصباحية وهي عبارة عن عقد أو خاتم أو قطعة نقود ذهبية على حسب استطاعته، ثم يذهب الزوج لزيارة والديه ويعود بعدها الى بيت العروس لاستقبال المهنئين والمباركين، وفي اليوم الثالث بعد الزواج تقوم أم العريس بزيارة العروس وتحمل لها الهدايا من أهل العريس.
الحوال:
جرت العادة أن يقيم الزوج في بيت أهل زوجته قرابة الأسبوعين، وفي ليلة اليوم الخامس عشر من الزواج يبدأ "الحوال" أي انتقال الزوجين إلى بيتهم، ويجري الحوال في جو مليء بالفرح والبهجة،
وتقوم النساء بترديد بعض الأغاني والأهازيج وهن في طريقهن إلى بيت الزوج مع العروس، منها:
رحنا وجينا بها رحنا وجينا بها
أما تكثرون الممروس وإلا ردينا بها
سبعة خواتم على السارية قومي اطلعي له يالغالية
سبعة خواتم على السيسبان ساعة يقلبها وساعة ينام
وتزور العروس والديها في صبيحة اليوم التالي للحوال.
منقوووول
تعليق