ظلت زمزم والآبار هي مصدر المياه لمكة المكرمة لسنوات عديدة ، ولكن مع ازدياد أعدد السكان والحجاج والسيول الجارفة أضطر أهل مكة المكرمة لجلب المياه من خارجها من منطقة المعلاة حتى عهد أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان الذي جلب عشرة عيون من الحل إلى مكة المكرمة ، وهي لمزارع وبساتين خارجها.
ومع الوقت تهدمت العيون التي كانت تسقي مكة المكرمة جراء السيول والأمطار والإهمال ، وأصبح سكان البلد الحرام وزواره يعانون الأمرين ، قلة الماء وارتفاع الأسعار.
حين شعرت السيدة زبيدة زوج الخليفـة الصالح هارون الرشـيد - رحمهما الله - " أثناء حجها بمدى العنت الذي يعانيه الحجّاج والمعتمرون نتيجة شُح المياه، فأمرت - بإجراء عين وادي النعمان - إلى عرفة سنة 174هـ / 791م.
ووفقت لذلك أيما توفيق فوصل الماء زلالاً إلى عرفة ومزدلفة ، وأصبح قريباً من منى، فيما يُعرف ببئر زبيدة، وفي العصر العثماني ، عام 979هـ / 1571م، قيّض الله كريمة السلطان سليمان خان السيِّدة خانم سلطان - رحمهما الله - لإعمار العين، فوجهت المهندسين والفنيين والبنائين وكانوا قرابة (1000) شخص من مختلف الدول الإسلاميّـة لإعماره، فتمّ مد القناة من بئر زبيدة إلى الأبطح، لتلتقي بمياه عين حنين، أمام مبنى إمارة منطقة مكّة المكرّمة، ثمّ إلى المعلاة، ثمّ إلى الحرم، ثمّ يتوزّع الماء في شبكة حجريّة جميلة داخل أحياء مكّة المكرّمة ليصب في ثلاثة وثلاثين بازان، منتشرة في مختلف أحياء مكّة المكرّمة. وظل هذا المشروع يسقي الحاج والمعتمر والمقيم والمجاور لمدة تربو على 1200 عام.
وقيض الله لهذا المشروع العظيم من مد قنواته وأكملها لتتوزع مياهها على أحياء المدينة المقدسة ، تجلي هذه العين مدى عظمة الفكر الهندسي الإسلامي وتشهد له بالإبداع والتفوق كل منشآتها من حيث التصميم والتنفيذ ومراعاة الجوانب التي تحقق الإفادة منها على الوجه الأتم.
هذا مع عدم إغفال الجانب الجمالي ، في ظل رؤية اقتصادية واضحة تأخذ في الاعتبار الحصول على أكبر قدر من النفع بأقل ما يمكن من التكاليف ، مع ضمان ديمومة المشروع واستمرار عطائه ونفعه.
يستمد المشروع مياهه من مسايل أودية وادي نعمان المتاخم لمكة المكرمة، لتنساب عبر قنوات مغطاة بصفائح حجرية ثقيلة إلى عرفات ومزدلفة، ومن ثم إلى البلد الحرام، مندفعة بفعل جاذبية يصنعها الانحدار الطبيعي الذي استثمره فكر المهندس المسلم ليصب في ثلاثة وثلاثين بازاناً موزعة على أحياء مكة بلا تكلفة تذكر، اللهم إلا تكلفة الصيانة وهي بحول الله ميسره
ولم يغفل هذا الفكر الهندسي الرائع إنشاء خرزات تفتح لهذا الغرض،
يتبع
تعليق