نحمدك اللهم ونستعينك، ونستهديك الخير والتوفيق في القول والعمل، ونصلي ونسلم على رسولك الأمين محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وبعد:
فهذه رسالة، أضعها بين يدي من كتب الله لهم زيارة بيته الحرام، وأداء الركن الخامس في الإسلام يسترشدون بها في تأدية المناسك، في يسر الإسلام وسماحته، امتثالاً لقول الله سبحانه: "وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ" (الحج: 78)، وأبتغي بها ثواب الله -تعالى- ورضوانه، وصالح الدعاء في مواطن القبول والإجابة من وفد الحجاج والعُمار، الذين تفضل الله عليهم فأعطاهم سؤلهم، ربنا ظلمنا أنفسنا فاغفر لنا وارحمنا، فإنك أهل التقوى وأهل المغفرة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
الحج:
الحج: قصد مكة لأداء عبادة الطواف وسائر المناسك؛ استجابة لأمر الله وابتغاء مرضاته.
وهو أحد أركان الإسلام الخمسة، وفرض معلوم من الدين بالضرورة، قال الله تعالى: "وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً" (آل عمران: 97).
وقال سبحانه: " وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ" (الحج: 27-28).
وفي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- فيما رواه البخاري وأحمد والنسائي وابن ماجه، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه".
وروى الطبراني في "الأوسط" عن عبد الله بن جراد، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "حجوا؛ فإن الحج يغسل الذنوب كما يغسل الماء الدرن".
وروى النسائي وابن ماجه وغيرهما من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الحجاج والعمار وفد الله؛ إن دعوه أجابهم، وإن استغفروه غفر لهم".
وفي فضل الإنفاق في الحج: روى أحمد والبيهقي وغيرهما عن بريدة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "النفقة في الحج كالنفقة في سبيل الله؛ الدرهم بسبعمائة ضعف".
وهو فرض على كل مسلم ومسلمة، بالغ عاقل مستطيع.
وتستحب المبادرة بأداء هذه الفريضة متى توافرت الاستطاعة.
نصائح وتوجيهات:
1 - على كل مسلم ومسلمة دعاه الله لحج بيته وعمرته أن يخلص التوبة إلى الله -سبحانه-، ويسأله غفران ذنوبه؛ ليبدأ عهدًا جديدًا مع ربه، ويعقد معه صلحًا لا يحنث فيه.
2 - من علامات الإخلاص: أن يعد نفقة الحج من أطيب كسبه وحلاله؛ فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، ومن حج من مال غير حلال ولبى: "لبيك اللهم لبيك" قال الله سبحانه –كما جاء في الحديث الشريف-: "لا لبيك ولا سعديك، حتى ترد ما في يديك".
3 - ومن مظاهر التوبة وصدق الإخلاص فيها أن يطهر المسلم والمسلمة نفسه، ويخلص رقبته من المظالم وحقوق الغير؛ فيرد المظالم إلى أصحابها متى استطاع إلى ذلك سبيلاً. ويتوب إلى الله ويستغفره فيما عجز عن رده، وأن يصل أرحامه ويبر والديه، ويترضى إخوانه وجيرانه.
4 - من الاستطاعة المشروطة لوجوب الحج القدرة على تحمل أعباء السفر ومشقاته؛ فلا عليك -أيها المسلم- إذا قعد بك عجزك الجسدي عن الحج؛ فإن الحج مفروض على القادر المستطيع.
5 - حافظ على نظافتك في الملبس والمأكل والمشرب، وعلى نظافة الأماكن الشريفة التي تتردد عليها؛ لأن الإسلام دين النظافة.
ألا ترى أنك لا تدخل الصلاة إلى بعد النظافة بالوضوء أو الاغتسال؟
6 - لا تكلف نفسك فوق طاقتها في المال أو الجهد الجسدي، واحرص على راحة غيرك، كما تحرص على راحة نفسك. وعامل الناس بما تحب أن يعاملوك به، كما جاء في الحديث الشريف.
7 - قال تعالى: "وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ" (البقرة: 195). وقال: "وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ" (النساء: 29). فلا تعرض نفسك للخطر بالصعود إلى قمم الجبال أو الدأب على السهر ولو في العبادة؛ فإن خير الأعمال أدومها وإن قل.
8 - احرص على التواجد في الحرم أكبر وقت ممكن، والنظر إلى الكعبة، وقراءة القرآن الكريم، والطواف حول البيت، كلما وجدت القدرة على ذلك.
9 - عليك أن تخبر أقرب الناس إليك بما لك أو عليك، وحث الأبناء والبنات والأهل والإخوان على تقوى الله، والتمسك بآداب الدين والمحافظة على أداء فرائضه.
ها أنت أيها الحاج، قد هيأت نفسك لبدء الرحلة المباركة، وقد أعددت ما يلزم لها.
ومن هذا اللازم:
ملابس الإحرام:
أ - إزار: وهو ثوب من قماش تلفه على وسطك، تستر به جسدك ما بين سرتك إلى ما دون ركبتك. وخيره: الجديد الأبيض الذي لا يشف عن العورة (بشكير).
ب - رداء: وهو ثوب كذلك تستر به ما فوق سرتك إلى كتفيك، فيما عدا رأسك ووجهك. وخيره أيضًا: الجديد الأبيض "بشكير".
واحذر أن تلبس في مدة الإحرام "فانلة" أو جوربًا أو جلبابًا أو شيئًا مما اعتدت لبسه من الثياب المفصلة المخيطة، إلا إذا كنت مضطرًا؛ فلك أن تلبس ذلك مع الفدية؛ فقد قال الله تعالى: "فَمَن كَانَ مِنْكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ" (البقرة: 196).
جـ- نعل تلبسه في رجليك، يظهر منه الكعب من كل رجل. والمراد بالكعب هنا العظم المرتفع بظاهر القدم.
كل هذا للحاج الرجل.
أما المرأة الحاجة فتلبس ملابسها المعتادة الساترة لجميع جسدها من شعر رأسها حتى قدميها ولا تكشف إلا وجهها.
وعليها ألا تزاحم الرجال، وأن تكون ملابسها واسعة لا تبرز تفاصيل الجسد وتلفت النظر، والمستحب الأبيض.
متى تحدد موعد السفر بحمد الله ووسيلته؛ فإذا كنت متوجهًا إلى المدينة المنورة -أولاً- فلا تحرم ولا تلبس ملابس الإحرام؛ بل ابق بملابسك العادية إلى أن تتم زيارة الرسول -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم-، وتنتهي إقامتك بالمدينة.
كيفيات الحج والعمرة:
وعندما تشرع في التوجه من المدينة (أو من غيرها) إلى (مكة) فإن عليك أن تحرم: بالعمرة فقط، أو بالحج فقط، أو بهما معًا، حسبما تريد من المدينة ذاتها، أو من ميقاتها "ذي الحليفة"، وهو المكان المعروف الآن بـ"آبار علي" قرب المدينة في الطريق منها إلى (مكة) أو من (رابغ)، إذا كنت ممن يسافرون في الأفواج المتأخرة الذاهبة من جدة إلى مكة مباشرة؛ فلك أن تنوي الحج والعمرة معًا، وتسمى "قارنًا" أي جامعًا بينهما. ولك أن تحرم بالعمرة فقط، أو أن تحرم بالحج فقط.
الإحرام:
فإذا ركبت الباخرة، واقتربت بك من الميقات، وهو "الجحفة" قرب "رابغ" بالنسبة للمصريين وأهل الشام، فتهيأ للإحرام بحلق شعرك وقصّ أظافرك، ثم اغتسل في الباخرة استعدادًا للإحرام، وهو غسل للنظافة لا للفريضة، أو توضأ إن لم يتيسر لك الاغتسال، وضع على جسدك شيئًا من الرائحة الطيبة المباحة، والبس ملابس الإحرام الموصوفة آنفًا.
ومتى لبست ثياب الإحرام على هذا الوجه؛ أي بعد التطهر بالاغتسال أو الوضوء صلِّ ركعتين سُنة، وانوِ في قلبك عقب الفراغ من أدائهما ما تريد من العمرة فقط، أو الحج فقط، أو هما معًا إذا نويت القران بينهما، وقل: "اللهم إني نويت (كذا) فيسره لي وتقبله مني".
ثم قل: "لبيك اللهم لبيك. لبيك لا شريك لك لبيك. إن الحمد والنعمة لك والملك. لا شريك لك".
وبهذا القول -بعد تلك التلبية- تصير محرمًا بما نويت وقصدت: "العمرة فقط، أو الحج فقط، أو هما معًا"؛ لأن هذه التلبية بمثابة تكبيرة الإحرام للدخول في الصلاة.
محظورات الإحرام:
ومتى صرت محرمًا على هذا الوجه، فلا تفعل -بل ولا تقترب مما صار محرمًا عليك بهذا الإحرام- وهو:
تغطية الرأس، وحلق الشعر أو شده من أي جزء من الجسد، ولا تقص الأظافر، ولا تستخدم الطيب والروائح العطرية، ولا تخالط زوجتك أو تفعل معها دواعي المخالطة كاللمس والتقبيل بالشهوة، ولا تلبس أي مخيط، ولا تتعرض لصيد البر الوحشي، أو لشجر الحرم.
وإذا فعل المحرم واحدًا من هذه المحظورات - قبل رمي جمرة العقبة في عاشر ذي الحجة- صح حجه وصحت عمرته، ولكن عليه أن يذبح شاة أو يطعم ستة مساكين، أو يصوم ثلاثة أيام. أما الجماع قبل رمي جمرة العقبة (التحلل الأول) فإنه يفسد الحج. وعلى من فعل ذلك أن يعيد الحج مرة أخرى في عام قادم.
ويحرم على المرأة تغطية الوجه واليدين.
ومحظور على المسلمة وعلى المسلم المخاصمة والجدال بالباطل مع الرفقة؛ يقول الله –سبحانه-: "فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ" (البقرة: 197).
وإذا كنت مسافرًا بالطائرة، فاستعد بالإحرام وأنت في بيتك، أو في المطار، أو في داخل الطائرة، والبس ملابس الإحرام إن لم يكن بك عذر مانع من لبسها، ثم انوِ ما تريد من عمرة أو حج ولَبِّ بالعبارة السابقة بعد ارتداء ملابس الإحرام، أو عند استقرارك في الطائرة أو عقب تحركها، وذلك كما تقدم: متى كنت متوجهًا إلى مكة مباشرة من جدة، أما إذا كنت متوجهًا إلى المدينة أولاً، فكن عاديًّا في كل شيء.
ومتى أحرمت ونويت ولبَّيت -كما سبق- صار محظورًا عليك الوقوع في شيء من تلك المحظورات.
ما يباح للمحرم:
بعد الإحرام يباح الاغتسال وتغيير ملابس الإحرام، واستعمال الصابون للتنظيف، ولو كانت له رائحة. وللمرأة غسل شعرها ونفضه وامتشاطه؛ فقد أذن الرسول –صلى الله عليه وسلم- لعائشة –رضي الله عنها- في ذلك بقوله: "انفضي رأسك وامتشطي".
ويباح أيضًا: الحجامة (فصد العرق لإخراج الدم) وفقء الدمل، ونزع الضرس، وقطع العرق، وحك الرأس والجسد دون شد الشعر؛ ويباح النظر في المرآة والتداوي.
أما شمّ الروائح الطيبة فدائر بين الكراهة والتحريم. ومن ثم يستحب أن يمنع الحاج عن استعمالها قصدًا. أما ما يحدث من الجلوس أو المرور في مكان طيب الرائحة فلا كراهة فيه ولا تحريم.
ويباح التظلل بمظلة أو خيمة أو سقف، والاكتحال والخضاب والحناء للتداوي لا للزينة، ويباح قتل الذباب والنمل والقُراد، والغراب والحدأة والفأرة، والعقرب والكلب العقور، وكل ما من شأنه الأذى.
أما حشرات الجسد الآدمي كالبرغوث والقمل، فللمحرم إلقاؤها وله قتلها ولا شيء عليه. وإن كان إلقاؤها أهون من قتلها.
وإذا احتلم المحرم أو فكر أو نظر فأنزل، فلا شيء عليه، عند الشافعية.
دخول مكة والطواف بالكعبة:
ها أنت -أيها الحاج أو المعتمر- على مشارف مكة محرمًا.
فمتى دخلتها -بعون الله وتوفيقه- فاطمئن أولاً على أمتعتك في مكان إقامتك، ثم اغتسل إن استطعت أو توضأ، ثم توجه إلى البيت الحرام لتطوف طواف العمرة إن نويتها، أو طواف القدوم إن كنت نويت الحج، وكبر وهلل عند رؤية الكعبة المشرفة، وقل: "الحمد لله الذي بلغني بيته الحرام. اللهم افتح لي أبواب رحمتك ومغفرتك. اللهم زد بيتك هذا تشريفًا وتعظيمًا وتكريمًا ومهابة وبرًّا، وزد من شرفه وكرمه -ممن حجه أو اعتمره- تشريفًا وتكريمًا وتعظيمًا وبرًا. اللهم أنت السلام، ومنك السلام فحيِّنا -ربنا- بالسلام، وأدخلنا دار السلام".
ثم ادع بما يفتح الله به عليك؛ فالدعاء في هذا المقام مقبول بإذن الله.
وإذا لم تحفظ شيئًا من الأدعية المأثورة، فادع بما شئت وبما يمليه عليك قلبك، ولا تشغل نفسك بالقراءة من كتاب غير القرآن؛ فهو الذي تقرؤه وتكثر من تلاوته.
طواف العمرة:
ثم اقصد إلى مكان الطواف؛ لتبدأه وأنت متطهر، واستقبل الكعبة المشرفة تجاه الحجر الأسود لتمر أمامه بكل بدنك، واستقبله بوجهك وصدرك، وارفع يديك حين استقباله كما ترفعها في تكبيرة الإحرام للدخول في الصلاة؛ ناويًا الطواف مكبرًا مهللاً معلنًا شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله. اللهم إيمانًا بك، وتصديقًا بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباعًا لسنة نبيك محمد -صلى الله علي وآله وصحبه وسلم-.
ثم اجعل الكعبة على يسارك مبتدئًا من قبالة الحجر الأسود، وسِر في المطاف مع الطائفين حتى تتم سبعة أشواط، بادئًا بالحجر الأسعد، ومنتهيًا إليه في كل شوط، ولا تشتغل في الطواف بغير ذكر الله والاستغفار والدعاء، وقراءة ما تحفظ من القرآن مع الخضوع والتذلل لله، ومن أفضل الدعاء ما جاء في القرآن الكريم كقوله تعالى: "رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ" (البقرة: 201).
ولا ترفع صوتك، ولا تؤذِ غيرك، واستشعر الإخلاص؛ فالله يقول: "ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ" (الأعراف: 55).
ركعتا الطواف:
إذا فرغت من أشواط الطواف السبعة، فتوجه إلى المكان المعروف بـ"مقام إبراهيم"، وصلِّ فيه منفردًا ركعتين خفيفتين؛ ناويًا بهما سنة الطواف، أو صلهما في أي مكان في المسجد إن لم تجد متسعًا في مقام إبراهيم، وادع الله بما تشاء، وما يفتح به عليك.
الدعاء عند المُلْتَزم:
ثم توجه إلى الملتزم، وهو المكان الذي بين باب الكعبة والحجر الأسود، وإذا استطعت الوصول إليه، فضع صدرك عليه، مادًّا ذراعيك عليه، متعلقًا بأستار الكعبة، واسأل الله من فضله لنفسك ولغيرك، فإن الدعاء هنا مرجو الإجابة -إن شاء الله-، وادع بما تشاء وبأي دعاء.
اشرب من ماء زمزم:
ثم توجه إلى مياه زمزم، واشرب منها ما استطعت فإن ماءها لما شُرب له. كما في الحديث الشريف.
السعي بين الصفا والمروة للعمرة:
ثم ارجع بعد شربك من ماء زمزم، أو بعد وقوفك بالملتزم، واسعَ بين الصفا والمروة، بادئًا بما بدأ الله تعالى به في قوله: "إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللهِ" (البقرة: 158).
ومتى صعدت على الصفا فهلِّلْ وكبِّر، واستقبل الكعبة المشرفة، وصلِّ على النبي المصطفى. وادعُ لنفسك ولمن تحب، ولنا معك، بما يشرح الله به صدرك، ثم ابدأ أشواط السعي سيرًا عاديًا من الصفا إلى المروة، في المسار المعد لذلك، مراعيًا النظام والابتعاد عن الإيذاء، وأسرع قليلاً في سيرك بين الميلين الأخضرين (في السعي علامة تدل عليهما)، وهذا الإسراع هو ما يسمى (هرولة) وهي خاصة بالرجال دون النساء، فإذا بلغت المروة، فقف قليلاً مكبرًا مهللاً مصليًا على النبي -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- جاعلاً الكعبة تجاه وجهك، داعيًا الله بما تشاء من خيريْ الدنيا والآخرة لك ولغيرك، وبهذا تكون قد أنهيت الشوط الأول، والعودةُ إلى الصفا شوطٌ ثانٍ.. وهكذا في بقية الأشواط.
وتابع الأشواط السبعة على هذا المنوال مع الخشوع والإخلاص والذكر والاستغفار، وردِّد ما ورد عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "رب اغفر وارحم، واعفُ عما تعلم، إنك أنت الله الأعز الأكرم. رب اغفر وارحم واهدني السبيل الأقوم".
وبانتهائك من أشواط السعي السبعة، تكون قد أتممت العمرة، التي نويتها حين الإحرام.
فهذه رسالة، أضعها بين يدي من كتب الله لهم زيارة بيته الحرام، وأداء الركن الخامس في الإسلام يسترشدون بها في تأدية المناسك، في يسر الإسلام وسماحته، امتثالاً لقول الله سبحانه: "وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ" (الحج: 78)، وأبتغي بها ثواب الله -تعالى- ورضوانه، وصالح الدعاء في مواطن القبول والإجابة من وفد الحجاج والعُمار، الذين تفضل الله عليهم فأعطاهم سؤلهم، ربنا ظلمنا أنفسنا فاغفر لنا وارحمنا، فإنك أهل التقوى وأهل المغفرة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
الحج:
الحج: قصد مكة لأداء عبادة الطواف وسائر المناسك؛ استجابة لأمر الله وابتغاء مرضاته.
وهو أحد أركان الإسلام الخمسة، وفرض معلوم من الدين بالضرورة، قال الله تعالى: "وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً" (آل عمران: 97).
وقال سبحانه: " وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ" (الحج: 27-28).
وفي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- فيما رواه البخاري وأحمد والنسائي وابن ماجه، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه".
وروى الطبراني في "الأوسط" عن عبد الله بن جراد، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "حجوا؛ فإن الحج يغسل الذنوب كما يغسل الماء الدرن".
وروى النسائي وابن ماجه وغيرهما من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الحجاج والعمار وفد الله؛ إن دعوه أجابهم، وإن استغفروه غفر لهم".
وفي فضل الإنفاق في الحج: روى أحمد والبيهقي وغيرهما عن بريدة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "النفقة في الحج كالنفقة في سبيل الله؛ الدرهم بسبعمائة ضعف".
وهو فرض على كل مسلم ومسلمة، بالغ عاقل مستطيع.
وتستحب المبادرة بأداء هذه الفريضة متى توافرت الاستطاعة.
نصائح وتوجيهات:
1 - على كل مسلم ومسلمة دعاه الله لحج بيته وعمرته أن يخلص التوبة إلى الله -سبحانه-، ويسأله غفران ذنوبه؛ ليبدأ عهدًا جديدًا مع ربه، ويعقد معه صلحًا لا يحنث فيه.
2 - من علامات الإخلاص: أن يعد نفقة الحج من أطيب كسبه وحلاله؛ فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، ومن حج من مال غير حلال ولبى: "لبيك اللهم لبيك" قال الله سبحانه –كما جاء في الحديث الشريف-: "لا لبيك ولا سعديك، حتى ترد ما في يديك".
3 - ومن مظاهر التوبة وصدق الإخلاص فيها أن يطهر المسلم والمسلمة نفسه، ويخلص رقبته من المظالم وحقوق الغير؛ فيرد المظالم إلى أصحابها متى استطاع إلى ذلك سبيلاً. ويتوب إلى الله ويستغفره فيما عجز عن رده، وأن يصل أرحامه ويبر والديه، ويترضى إخوانه وجيرانه.
4 - من الاستطاعة المشروطة لوجوب الحج القدرة على تحمل أعباء السفر ومشقاته؛ فلا عليك -أيها المسلم- إذا قعد بك عجزك الجسدي عن الحج؛ فإن الحج مفروض على القادر المستطيع.
5 - حافظ على نظافتك في الملبس والمأكل والمشرب، وعلى نظافة الأماكن الشريفة التي تتردد عليها؛ لأن الإسلام دين النظافة.
ألا ترى أنك لا تدخل الصلاة إلى بعد النظافة بالوضوء أو الاغتسال؟
6 - لا تكلف نفسك فوق طاقتها في المال أو الجهد الجسدي، واحرص على راحة غيرك، كما تحرص على راحة نفسك. وعامل الناس بما تحب أن يعاملوك به، كما جاء في الحديث الشريف.
7 - قال تعالى: "وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ" (البقرة: 195). وقال: "وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ" (النساء: 29). فلا تعرض نفسك للخطر بالصعود إلى قمم الجبال أو الدأب على السهر ولو في العبادة؛ فإن خير الأعمال أدومها وإن قل.
8 - احرص على التواجد في الحرم أكبر وقت ممكن، والنظر إلى الكعبة، وقراءة القرآن الكريم، والطواف حول البيت، كلما وجدت القدرة على ذلك.
9 - عليك أن تخبر أقرب الناس إليك بما لك أو عليك، وحث الأبناء والبنات والأهل والإخوان على تقوى الله، والتمسك بآداب الدين والمحافظة على أداء فرائضه.
ها أنت أيها الحاج، قد هيأت نفسك لبدء الرحلة المباركة، وقد أعددت ما يلزم لها.
ومن هذا اللازم:
ملابس الإحرام:
أ - إزار: وهو ثوب من قماش تلفه على وسطك، تستر به جسدك ما بين سرتك إلى ما دون ركبتك. وخيره: الجديد الأبيض الذي لا يشف عن العورة (بشكير).
ب - رداء: وهو ثوب كذلك تستر به ما فوق سرتك إلى كتفيك، فيما عدا رأسك ووجهك. وخيره أيضًا: الجديد الأبيض "بشكير".
واحذر أن تلبس في مدة الإحرام "فانلة" أو جوربًا أو جلبابًا أو شيئًا مما اعتدت لبسه من الثياب المفصلة المخيطة، إلا إذا كنت مضطرًا؛ فلك أن تلبس ذلك مع الفدية؛ فقد قال الله تعالى: "فَمَن كَانَ مِنْكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ" (البقرة: 196).
جـ- نعل تلبسه في رجليك، يظهر منه الكعب من كل رجل. والمراد بالكعب هنا العظم المرتفع بظاهر القدم.
كل هذا للحاج الرجل.
أما المرأة الحاجة فتلبس ملابسها المعتادة الساترة لجميع جسدها من شعر رأسها حتى قدميها ولا تكشف إلا وجهها.
وعليها ألا تزاحم الرجال، وأن تكون ملابسها واسعة لا تبرز تفاصيل الجسد وتلفت النظر، والمستحب الأبيض.
متى تحدد موعد السفر بحمد الله ووسيلته؛ فإذا كنت متوجهًا إلى المدينة المنورة -أولاً- فلا تحرم ولا تلبس ملابس الإحرام؛ بل ابق بملابسك العادية إلى أن تتم زيارة الرسول -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم-، وتنتهي إقامتك بالمدينة.
كيفيات الحج والعمرة:
وعندما تشرع في التوجه من المدينة (أو من غيرها) إلى (مكة) فإن عليك أن تحرم: بالعمرة فقط، أو بالحج فقط، أو بهما معًا، حسبما تريد من المدينة ذاتها، أو من ميقاتها "ذي الحليفة"، وهو المكان المعروف الآن بـ"آبار علي" قرب المدينة في الطريق منها إلى (مكة) أو من (رابغ)، إذا كنت ممن يسافرون في الأفواج المتأخرة الذاهبة من جدة إلى مكة مباشرة؛ فلك أن تنوي الحج والعمرة معًا، وتسمى "قارنًا" أي جامعًا بينهما. ولك أن تحرم بالعمرة فقط، أو أن تحرم بالحج فقط.
الإحرام:
فإذا ركبت الباخرة، واقتربت بك من الميقات، وهو "الجحفة" قرب "رابغ" بالنسبة للمصريين وأهل الشام، فتهيأ للإحرام بحلق شعرك وقصّ أظافرك، ثم اغتسل في الباخرة استعدادًا للإحرام، وهو غسل للنظافة لا للفريضة، أو توضأ إن لم يتيسر لك الاغتسال، وضع على جسدك شيئًا من الرائحة الطيبة المباحة، والبس ملابس الإحرام الموصوفة آنفًا.
ومتى لبست ثياب الإحرام على هذا الوجه؛ أي بعد التطهر بالاغتسال أو الوضوء صلِّ ركعتين سُنة، وانوِ في قلبك عقب الفراغ من أدائهما ما تريد من العمرة فقط، أو الحج فقط، أو هما معًا إذا نويت القران بينهما، وقل: "اللهم إني نويت (كذا) فيسره لي وتقبله مني".
ثم قل: "لبيك اللهم لبيك. لبيك لا شريك لك لبيك. إن الحمد والنعمة لك والملك. لا شريك لك".
وبهذا القول -بعد تلك التلبية- تصير محرمًا بما نويت وقصدت: "العمرة فقط، أو الحج فقط، أو هما معًا"؛ لأن هذه التلبية بمثابة تكبيرة الإحرام للدخول في الصلاة.
محظورات الإحرام:
ومتى صرت محرمًا على هذا الوجه، فلا تفعل -بل ولا تقترب مما صار محرمًا عليك بهذا الإحرام- وهو:
تغطية الرأس، وحلق الشعر أو شده من أي جزء من الجسد، ولا تقص الأظافر، ولا تستخدم الطيب والروائح العطرية، ولا تخالط زوجتك أو تفعل معها دواعي المخالطة كاللمس والتقبيل بالشهوة، ولا تلبس أي مخيط، ولا تتعرض لصيد البر الوحشي، أو لشجر الحرم.
وإذا فعل المحرم واحدًا من هذه المحظورات - قبل رمي جمرة العقبة في عاشر ذي الحجة- صح حجه وصحت عمرته، ولكن عليه أن يذبح شاة أو يطعم ستة مساكين، أو يصوم ثلاثة أيام. أما الجماع قبل رمي جمرة العقبة (التحلل الأول) فإنه يفسد الحج. وعلى من فعل ذلك أن يعيد الحج مرة أخرى في عام قادم.
ويحرم على المرأة تغطية الوجه واليدين.
ومحظور على المسلمة وعلى المسلم المخاصمة والجدال بالباطل مع الرفقة؛ يقول الله –سبحانه-: "فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ" (البقرة: 197).
وإذا كنت مسافرًا بالطائرة، فاستعد بالإحرام وأنت في بيتك، أو في المطار، أو في داخل الطائرة، والبس ملابس الإحرام إن لم يكن بك عذر مانع من لبسها، ثم انوِ ما تريد من عمرة أو حج ولَبِّ بالعبارة السابقة بعد ارتداء ملابس الإحرام، أو عند استقرارك في الطائرة أو عقب تحركها، وذلك كما تقدم: متى كنت متوجهًا إلى مكة مباشرة من جدة، أما إذا كنت متوجهًا إلى المدينة أولاً، فكن عاديًّا في كل شيء.
ومتى أحرمت ونويت ولبَّيت -كما سبق- صار محظورًا عليك الوقوع في شيء من تلك المحظورات.
ما يباح للمحرم:
بعد الإحرام يباح الاغتسال وتغيير ملابس الإحرام، واستعمال الصابون للتنظيف، ولو كانت له رائحة. وللمرأة غسل شعرها ونفضه وامتشاطه؛ فقد أذن الرسول –صلى الله عليه وسلم- لعائشة –رضي الله عنها- في ذلك بقوله: "انفضي رأسك وامتشطي".
ويباح أيضًا: الحجامة (فصد العرق لإخراج الدم) وفقء الدمل، ونزع الضرس، وقطع العرق، وحك الرأس والجسد دون شد الشعر؛ ويباح النظر في المرآة والتداوي.
أما شمّ الروائح الطيبة فدائر بين الكراهة والتحريم. ومن ثم يستحب أن يمنع الحاج عن استعمالها قصدًا. أما ما يحدث من الجلوس أو المرور في مكان طيب الرائحة فلا كراهة فيه ولا تحريم.
ويباح التظلل بمظلة أو خيمة أو سقف، والاكتحال والخضاب والحناء للتداوي لا للزينة، ويباح قتل الذباب والنمل والقُراد، والغراب والحدأة والفأرة، والعقرب والكلب العقور، وكل ما من شأنه الأذى.
أما حشرات الجسد الآدمي كالبرغوث والقمل، فللمحرم إلقاؤها وله قتلها ولا شيء عليه. وإن كان إلقاؤها أهون من قتلها.
وإذا احتلم المحرم أو فكر أو نظر فأنزل، فلا شيء عليه، عند الشافعية.
دخول مكة والطواف بالكعبة:
ها أنت -أيها الحاج أو المعتمر- على مشارف مكة محرمًا.
فمتى دخلتها -بعون الله وتوفيقه- فاطمئن أولاً على أمتعتك في مكان إقامتك، ثم اغتسل إن استطعت أو توضأ، ثم توجه إلى البيت الحرام لتطوف طواف العمرة إن نويتها، أو طواف القدوم إن كنت نويت الحج، وكبر وهلل عند رؤية الكعبة المشرفة، وقل: "الحمد لله الذي بلغني بيته الحرام. اللهم افتح لي أبواب رحمتك ومغفرتك. اللهم زد بيتك هذا تشريفًا وتعظيمًا وتكريمًا ومهابة وبرًّا، وزد من شرفه وكرمه -ممن حجه أو اعتمره- تشريفًا وتكريمًا وتعظيمًا وبرًا. اللهم أنت السلام، ومنك السلام فحيِّنا -ربنا- بالسلام، وأدخلنا دار السلام".
ثم ادع بما يفتح الله به عليك؛ فالدعاء في هذا المقام مقبول بإذن الله.
وإذا لم تحفظ شيئًا من الأدعية المأثورة، فادع بما شئت وبما يمليه عليك قلبك، ولا تشغل نفسك بالقراءة من كتاب غير القرآن؛ فهو الذي تقرؤه وتكثر من تلاوته.
طواف العمرة:
ثم اقصد إلى مكان الطواف؛ لتبدأه وأنت متطهر، واستقبل الكعبة المشرفة تجاه الحجر الأسود لتمر أمامه بكل بدنك، واستقبله بوجهك وصدرك، وارفع يديك حين استقباله كما ترفعها في تكبيرة الإحرام للدخول في الصلاة؛ ناويًا الطواف مكبرًا مهللاً معلنًا شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله. اللهم إيمانًا بك، وتصديقًا بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباعًا لسنة نبيك محمد -صلى الله علي وآله وصحبه وسلم-.
ثم اجعل الكعبة على يسارك مبتدئًا من قبالة الحجر الأسود، وسِر في المطاف مع الطائفين حتى تتم سبعة أشواط، بادئًا بالحجر الأسعد، ومنتهيًا إليه في كل شوط، ولا تشتغل في الطواف بغير ذكر الله والاستغفار والدعاء، وقراءة ما تحفظ من القرآن مع الخضوع والتذلل لله، ومن أفضل الدعاء ما جاء في القرآن الكريم كقوله تعالى: "رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ" (البقرة: 201).
ولا ترفع صوتك، ولا تؤذِ غيرك، واستشعر الإخلاص؛ فالله يقول: "ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ" (الأعراف: 55).
ركعتا الطواف:
إذا فرغت من أشواط الطواف السبعة، فتوجه إلى المكان المعروف بـ"مقام إبراهيم"، وصلِّ فيه منفردًا ركعتين خفيفتين؛ ناويًا بهما سنة الطواف، أو صلهما في أي مكان في المسجد إن لم تجد متسعًا في مقام إبراهيم، وادع الله بما تشاء، وما يفتح به عليك.
الدعاء عند المُلْتَزم:
ثم توجه إلى الملتزم، وهو المكان الذي بين باب الكعبة والحجر الأسود، وإذا استطعت الوصول إليه، فضع صدرك عليه، مادًّا ذراعيك عليه، متعلقًا بأستار الكعبة، واسأل الله من فضله لنفسك ولغيرك، فإن الدعاء هنا مرجو الإجابة -إن شاء الله-، وادع بما تشاء وبأي دعاء.
اشرب من ماء زمزم:
ثم توجه إلى مياه زمزم، واشرب منها ما استطعت فإن ماءها لما شُرب له. كما في الحديث الشريف.
السعي بين الصفا والمروة للعمرة:
ثم ارجع بعد شربك من ماء زمزم، أو بعد وقوفك بالملتزم، واسعَ بين الصفا والمروة، بادئًا بما بدأ الله تعالى به في قوله: "إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللهِ" (البقرة: 158).
ومتى صعدت على الصفا فهلِّلْ وكبِّر، واستقبل الكعبة المشرفة، وصلِّ على النبي المصطفى. وادعُ لنفسك ولمن تحب، ولنا معك، بما يشرح الله به صدرك، ثم ابدأ أشواط السعي سيرًا عاديًا من الصفا إلى المروة، في المسار المعد لذلك، مراعيًا النظام والابتعاد عن الإيذاء، وأسرع قليلاً في سيرك بين الميلين الأخضرين (في السعي علامة تدل عليهما)، وهذا الإسراع هو ما يسمى (هرولة) وهي خاصة بالرجال دون النساء، فإذا بلغت المروة، فقف قليلاً مكبرًا مهللاً مصليًا على النبي -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- جاعلاً الكعبة تجاه وجهك، داعيًا الله بما تشاء من خيريْ الدنيا والآخرة لك ولغيرك، وبهذا تكون قد أنهيت الشوط الأول، والعودةُ إلى الصفا شوطٌ ثانٍ.. وهكذا في بقية الأشواط.
وتابع الأشواط السبعة على هذا المنوال مع الخشوع والإخلاص والذكر والاستغفار، وردِّد ما ورد عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "رب اغفر وارحم، واعفُ عما تعلم، إنك أنت الله الأعز الأكرم. رب اغفر وارحم واهدني السبيل الأقوم".
وبانتهائك من أشواط السعي السبعة، تكون قد أتممت العمرة، التي نويتها حين الإحرام.
تعليق