سقوط الانفصاليين في طبرستان
في كل دولة جامعة كالدولة العباسية ، يمكن لأي راغب في السلطة أن يجد مندوحة للقيام بثورة ولرفع راية الانفصال ، وإقامة حكم ذاتي له ولأبنائه.
فثمة قوميات مختلفة .. من السهل استجاشة عواطف كل منها القومية ...
وثمة أوطان مختلفة .. من السهل الضرب على وتر الاستقلال ودعوى الحرية الذاتية فيها .
وثمة عقائد مختلفة . سواء عقائد مخالفة تماما ، أو عقائد منشقة على العقيدة الأصل ، وبالتالي يمكن الضرب على وتر من ينضمون إلى هذه العقيدة المضادة أو المنشقة ، من أجل سيطرة العقيدة المضادة على العقيدة الأصل .
وثمة لافتات أخرى كثيرة يمكن أن يجد فيها كل راغب في التمرد - التبرير الذي يسهل له أمام الجماهير - لاسيما الغوغاء الذين يجرون وراء كل ناعق بدون وعي - عملية الثورة والانفصال .. وكانت هذه أكبر التحديات التي واجهت الدولة العباسية الجامعة .
وكان طابع الانفصال في طبرستان وبلاد اليمن مختلفا عن محاولات الاستقلال بالسلطة فقط ، كان يحمل بذرة الانشقاق الروحي عن الخلافة العباسية .. كان يحمل بين يديه دعوى آل البيت والترويج لأحقيتهم في الخلافة .
وفي طبرستان في النصف الأول من القرن الثالث للهجرة ضغط على الفلاحين الإقطاع المتزايد ، وقد أقطع الخليفة العباسي محمد بن عبد الله بن طاهر - حاكم بغداد - أراضي في طبرستان لم تكفه ، فقام بوضع يده على الأراضي المجاورة له، مما جعل الفلاحين يضجون من ذلك .
وقد استغل بعضهم هذه الفرصة ، فقاموا بإعلان الثورة على الإقطاع ووعدوا السكان برفع الإجحاف والظلم وفي سنة 250هـ وبالتحديد - قام الحسن بن زيد بإعلان ثورته وجمع حوله عددا كبيرا من الفلاحين ، واستولى على طبرستان وجرجان ، ونجح في إقامة إمارة مستقلة باسمه - وظلت دولته قائمة حتى سنة 287هـ حين ظهر السامانيون فأزاحوها - بسهولة - عن المنطقة كلها .
ومع ذلك ظلت هذه الدعوة الشعار المسكين أو قميص عثمان الذي يتمسح فيه الراغبون في السلطة .. وهم يصلون إلى أغراضهم عن طريق رفع رايات مختلفة بحسب الظروف .. ليكن الشعار القضاء على الاستغلال ، أو محاربة الإقطاع المهم الوصول إلى الغاية .
ولم يمض إلا قليل .. أربعة عشر عاما فقط .. حتى ظهر متمسح جديد في آل البيت !! ومن الغريب أن هذا الثائر الجديد " حسن بن علي الأطروش " الذي لقب نفسه " بناصر الحق " سار على نفس الطريق الذي سارت فيه الحركة السابقة التي تزعمها الحسن بن زيد .. فقد قام في طبرستان .. وقد رفع شعار " القضاء على الإقطاع " وأبرز سلاح آل البيت ، وكما هو المرتقب ، التف حوله الفلاحون ... ونجح في الوصول إلى السلطة .
وكما هو المنتظر كذلك ، لم تلبث هذه الحركة على مسرح السلطة في طبرستان أكثر من ثلاثة عشر عاما ( 301 - 314هـ ) وانكشفت حقيقتها .. ولقيت حتفها بفعل عاصفة " الزياريين " الذين أطاحوا بحكم الأطروش ، وحكموا جرجان وطبرستان بين أعوام ( 315 - 417هـ ) ثم زالوا كما زال غيرهم .
وفي جنوبي الجزيرة العربية ظهرت دعوة الزيديين رافعة راية آل البيت ، متمسحة في شعار القضاء على الإقطاع .. وقد نجح يحيى بن الحسين من أحفاد القاسم الرسي أحد كبار علماء المذهب الزيدي في إقامة حكم لنفسه متخذا من ( صعدة ) عاصمة له . وقد حكمت الدولة الزيدية مدة طويلة بلغت قريبا من أربعة قرون ونصف . واعتمدت هذه الدولة في تكوينها على أسس أكثر أصالة من مجرد " القضاء على الإقطاع " .. وبذا حققت لنفسها انتصارا وشهرة كبيرة على امتداد العالم الإسلامي .. وكانت في الحق من الحركات الممتازة في التاريخ الإسلامي .
وأيا كان الأمر ، فقد كان شعار " القضاء على الإقطاع " قميص عثمان الذي تمسحت فيه دول كثيرة وحركات أكثر .. ولم تتضح الرؤية عند هذه الحركات أو تلك الدول إلا أن تحقيق علاج اقتصادي مؤقت لا يكفي لإقامة دولة ، فضلا عن أن ينشئ حضارة لا تضيف جديدا لموكب البشرية .
إن حجم العلاج لا بد أن يكون مساويا لحجم المرض . كما أن من الضروري أن تكون نوعية الدواء مناسبة لنوعية المرض ... أما علاج ظاهرة اقتصادية بالوصول على قمة السلطة السياسية .. فهو جرعة كبيرة من العلاج قد تكفي للقتل والموت .
ومن هنا أخفقت كل الحركات الزاعمة القضاء على الإقطاع ، لأنها بعد أن نجحت، أو أصدرت قرارها بإصلاح الوضع الاقتصادي - إذا حدث - تجد نفسها في فراغ ، وتجد أن مبرر وجودها قد انتهى ولم يعد ثمة ما وجب الاستمرار والبقاء
في كل دولة جامعة كالدولة العباسية ، يمكن لأي راغب في السلطة أن يجد مندوحة للقيام بثورة ولرفع راية الانفصال ، وإقامة حكم ذاتي له ولأبنائه.
فثمة قوميات مختلفة .. من السهل استجاشة عواطف كل منها القومية ...
وثمة أوطان مختلفة .. من السهل الضرب على وتر الاستقلال ودعوى الحرية الذاتية فيها .
وثمة عقائد مختلفة . سواء عقائد مخالفة تماما ، أو عقائد منشقة على العقيدة الأصل ، وبالتالي يمكن الضرب على وتر من ينضمون إلى هذه العقيدة المضادة أو المنشقة ، من أجل سيطرة العقيدة المضادة على العقيدة الأصل .
وثمة لافتات أخرى كثيرة يمكن أن يجد فيها كل راغب في التمرد - التبرير الذي يسهل له أمام الجماهير - لاسيما الغوغاء الذين يجرون وراء كل ناعق بدون وعي - عملية الثورة والانفصال .. وكانت هذه أكبر التحديات التي واجهت الدولة العباسية الجامعة .
وكان طابع الانفصال في طبرستان وبلاد اليمن مختلفا عن محاولات الاستقلال بالسلطة فقط ، كان يحمل بذرة الانشقاق الروحي عن الخلافة العباسية .. كان يحمل بين يديه دعوى آل البيت والترويج لأحقيتهم في الخلافة .
وفي طبرستان في النصف الأول من القرن الثالث للهجرة ضغط على الفلاحين الإقطاع المتزايد ، وقد أقطع الخليفة العباسي محمد بن عبد الله بن طاهر - حاكم بغداد - أراضي في طبرستان لم تكفه ، فقام بوضع يده على الأراضي المجاورة له، مما جعل الفلاحين يضجون من ذلك .
وقد استغل بعضهم هذه الفرصة ، فقاموا بإعلان الثورة على الإقطاع ووعدوا السكان برفع الإجحاف والظلم وفي سنة 250هـ وبالتحديد - قام الحسن بن زيد بإعلان ثورته وجمع حوله عددا كبيرا من الفلاحين ، واستولى على طبرستان وجرجان ، ونجح في إقامة إمارة مستقلة باسمه - وظلت دولته قائمة حتى سنة 287هـ حين ظهر السامانيون فأزاحوها - بسهولة - عن المنطقة كلها .
ومع ذلك ظلت هذه الدعوة الشعار المسكين أو قميص عثمان الذي يتمسح فيه الراغبون في السلطة .. وهم يصلون إلى أغراضهم عن طريق رفع رايات مختلفة بحسب الظروف .. ليكن الشعار القضاء على الاستغلال ، أو محاربة الإقطاع المهم الوصول إلى الغاية .
ولم يمض إلا قليل .. أربعة عشر عاما فقط .. حتى ظهر متمسح جديد في آل البيت !! ومن الغريب أن هذا الثائر الجديد " حسن بن علي الأطروش " الذي لقب نفسه " بناصر الحق " سار على نفس الطريق الذي سارت فيه الحركة السابقة التي تزعمها الحسن بن زيد .. فقد قام في طبرستان .. وقد رفع شعار " القضاء على الإقطاع " وأبرز سلاح آل البيت ، وكما هو المرتقب ، التف حوله الفلاحون ... ونجح في الوصول إلى السلطة .
وكما هو المنتظر كذلك ، لم تلبث هذه الحركة على مسرح السلطة في طبرستان أكثر من ثلاثة عشر عاما ( 301 - 314هـ ) وانكشفت حقيقتها .. ولقيت حتفها بفعل عاصفة " الزياريين " الذين أطاحوا بحكم الأطروش ، وحكموا جرجان وطبرستان بين أعوام ( 315 - 417هـ ) ثم زالوا كما زال غيرهم .
وفي جنوبي الجزيرة العربية ظهرت دعوة الزيديين رافعة راية آل البيت ، متمسحة في شعار القضاء على الإقطاع .. وقد نجح يحيى بن الحسين من أحفاد القاسم الرسي أحد كبار علماء المذهب الزيدي في إقامة حكم لنفسه متخذا من ( صعدة ) عاصمة له . وقد حكمت الدولة الزيدية مدة طويلة بلغت قريبا من أربعة قرون ونصف . واعتمدت هذه الدولة في تكوينها على أسس أكثر أصالة من مجرد " القضاء على الإقطاع " .. وبذا حققت لنفسها انتصارا وشهرة كبيرة على امتداد العالم الإسلامي .. وكانت في الحق من الحركات الممتازة في التاريخ الإسلامي .
وأيا كان الأمر ، فقد كان شعار " القضاء على الإقطاع " قميص عثمان الذي تمسحت فيه دول كثيرة وحركات أكثر .. ولم تتضح الرؤية عند هذه الحركات أو تلك الدول إلا أن تحقيق علاج اقتصادي مؤقت لا يكفي لإقامة دولة ، فضلا عن أن ينشئ حضارة لا تضيف جديدا لموكب البشرية .
إن حجم العلاج لا بد أن يكون مساويا لحجم المرض . كما أن من الضروري أن تكون نوعية الدواء مناسبة لنوعية المرض ... أما علاج ظاهرة اقتصادية بالوصول على قمة السلطة السياسية .. فهو جرعة كبيرة من العلاج قد تكفي للقتل والموت .
ومن هنا أخفقت كل الحركات الزاعمة القضاء على الإقطاع ، لأنها بعد أن نجحت، أو أصدرت قرارها بإصلاح الوضع الاقتصادي - إذا حدث - تجد نفسها في فراغ ، وتجد أن مبرر وجودها قد انتهى ولم يعد ثمة ما وجب الاستمرار والبقاء
تعليق