إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

سقوط ثلاثين دولة إسلامية ( الدولة االعباسية)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • سقوط ثلاثين دولة إسلامية ( الدولة االعباسية)


    من عوامل سقوط العباسيين
    من أعرق الصفحات التي قدمناها للحضارة الإنسانية ، وللتاريخ البشري صفحة الدولة العباسية ‏.‏
    خمسة قرون وأكثر ‏(‏ 132 هـ ـ 656 هـ ‏)‏ مرت على التاريخ البشري ، وهو يحني جبهته لهذه الدولة ‏.‏
    وبالطبع ‏.‏‏.‏ فليس من خصائص المسيرة البشرية أن تظل على وتيرة واحدة ، وهكذا كان شأن الدولة العباسية في مسيرتها ، يتعاورها المد والجزر ، واختلف عليها الحماة بين أتراك وبويهيين وأتراك سلاجقة ، لكنها بقيت مع ذلك رمز الهيبة التاريخية التي تفرض نفسها على كل القوى ، مستمدة هذه الهيبة من رصيد الخلافة الإسلامية التي مثلت وحدة الوجود الإسلامي إلى فترة قريبة من عمر التاريخ ‏.‏
    كان قيام هذه الدولة حركة سياسية قامت على تخطيط ، لعله لم يتوفر للمسلمين في كل تاريخهم ‏.‏‏.‏ دقة وعمقا ‏.‏‏.‏ وصبرا على النتائج ، واستغلالا لكل القوى وسرية ، وتوافر لكل مقومات النجاح ‏.‏
    ثم كان السير التاريخي لهذه الدولة معجزة عجيبة ، فوسط بحار متلاطمة الأمواج، وعالم إسلامي فسيح لا يمكن ، بل يتعذر استمرار تماسكه ‏.‏‏.‏ وأعداء خارجيين من عناصر متباينة المذاهب والجنس والميول ‏.‏
    وسط هذا كله شقت الدولة طريقها ‏.‏‏.‏ ولا شك في أنها كانت بين الحين والحين تتعرض لحركة تفكك من هنا، وحركة تمرد من هناك ، وبروز لحركة خروج في ناحية ثالثة ‏.‏‏.‏ وغلبة عنصر من العناصر في مكان رابع ‏.‏
    ولكن مهما يكن ‏.‏‏.‏ فهذه هي طبيعة المسيرة البشرية ، ولم يقدم لنا التاريخ على كثرة ما قدم مدينة فاضلة خلت من كل النوازع البشرية وخلت من الصراع ‏.‏‏.‏ والمد والجزر ‏!‏‏!‏
    وعبر القرون الخمسة تقلب في الحكم عشرات من الحكام ‏.‏‏.‏ بلغوا سبعة وثلاثين خليفة، أولهم أبو العباس السفاح ثم أبو جعفر المنصور ‏.‏‏.‏ وقد برز منهم كثيرون كالمأمون والرشيد والمعتصم والواثق والمتوكل والمهدي ‏.‏
    وكان آخرهم ـ ومن أشأمهم ـ أبو أحمد المستعصم الذي استسلم للتتار ‏.‏
    وظهرت أسر قوية وعناصر كبيرة سيطرت على الدولة أحيانا كالبرامكة وبني بويه والسلاجقة ‏.‏
    وتمتعت دول كثيرة بالاستقلال الفعلي عن الدولة كالطولونيين والإخشيديين في مصر ، وبني طاهر في خراسان ، وبني سامان في فارس وما وراء النهر ، والغزنويين في أفغانستان والبنجاب والهند ، وبني بويه ـ الذين لم يستقلوا وحسب ـ بل تحكموا في الخلفاء أنفسهم في شيراز في فارس ‏.‏‏.‏ ثم السلاجقة ‏.‏
    وهكذا ـ كما ذكرنا ـ تعاورت كل ظروف المسيرة التاريخية هذه الدولة ذات القرون الخمسة ‏!‏‏.‏
    وخلال رحلة الدولة العباسية الطويلة في التاريخ ، لم يجد المؤرخون بدا من تقسيم هذه الدولة إلى عصور ثلاثة ‏:‏ العصر الأول ‏(‏ 132هـ ـ 232 هـ ‏)‏ وفيه كانت السلطة للخلفاء ما عدا المغرب والأندلس ‏.‏ والعصر الثاني ‏(‏ 232 ـ 590 هـ ‏)‏ وفيه ضاعت السلطة من الخلفاء لتكون في يد الأتراك والبويهيين والعصر الثالث ‏(‏ 590 ـ 656 هـ ‏)‏ وفيه عادت السلطة إلى أيدي الخلفاء في حدود بغداد وما حولها، دون بقية أملاك الخلافة التي سطا عليها الطامعون ‏.‏
    وفي مثل دولة جامعة كبيرة ذات حياة حافلة كالدولة العباسية يصعب الوصول إلى رأي أخير في أسباب انحلالها ‏.‏‏.‏‏.‏
    ـ أكانت حركات الانشقاق عن الدولة سبب هذا الانحلال ‏؟‏
    لا ‏:‏ إن حركات الانشقاق هذه ظاهرة أو نتيجة من نتائج بروز عوامل الانحلال ‏.‏
    أكان ظهور أو تحكم عناصر غير عربية في الحكم من أسباب هذا الانحلال ـ لا ، فهذه العناصر قد وجدت في حضارات كثيرة وأين هي الدولة التي تخلو من خدمات عناصر ليست منها ‏؟‏ ‏.‏‏.‏ ثم إن هؤلاء لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه إلا في ظل مظاهر الانحلال الحقيقية ، وأدى معظمهم خدمات للدولة كانت سببا من أسباب بقائها وصمودها ‏.‏
    أكان ظهور حركات التمرد الديني كالقرامطة والحشاشين وغيرهم هو السبب الأقوى في تحلل الدولة ‏؟‏
    ومما لا شك فيه أن لهذه الحركات أثرها الكبير في ضياع ‏"‏ الوحدة العقائدية ‏"‏ وفي ضياع كثير من مثل الإسلام الصافية خلال هذه العصور ‏.‏‏.‏ وفي خلق جو من الفوضى الفكرية والاجتماعية والاقتصادية ، لكن مع ذلك ، وإن كان هذا سبب قويا ، فليس هو السبب الأقوى في سقوط الدولة العباسية ‏.‏ فما هي إذن ـ عوامل تحلل الدولة العباسية ودخولها في طور الاضمحلال ‏؟‏
    لا شك في أن العوامل السابقة وغيرها ، كان لها تأثيرها الكبير في اضمحلال الدولة العباسية وفي دخولها مرحلة الأفول ‏.‏
    بيد أن أخطر العوامل التي أسقطت خلافة العباسيين ، إهمالهم لركن هام من أركان الإسلام ‏.‏‏.‏ وهو ‏(‏ الجهاد ‏)‏ ، فبعد المعتصم المتولي أمور الدولة سنة ‏(‏ 833م ‏)‏ لم نسمع عن معارك ذات شأن قامت بها الدولة ، ولم يكن مبدأ ‏"‏ الجهاد الدائم ‏"‏ حماية لهذه الدولة المترامية الأطراف أحد أركان السياسة العباسية ‏.‏
    لقد تقوقعوا في مشاكل الدولة الداخلية ‏.‏‏.‏ فحصرتهم مشاكلها ‏.‏‏.‏ وماتوا ببطء ، ولو أنهم وجهوا طاقة الأمة نحو ‏"‏ الجهاد ‏"‏ ضد الصليبيين ، لتغير أمر الحركات الهدامة التي قدر لها أن تظهر وتنتشر ، وذلك أن هذه الحركات لا تنتشر إلا في جو مليء بالركود والفساد ، والمناخ الوحيد الصالح للقضاء عليها هو المناخ القتالي الذي يكشف المعادن النقية ويذيب المعدن الرخيص ‏.‏
    لقد كانت الحاجة الإسلامية ملحة في ضرورة رفع راية الجهاد ، وكانت الدولة الإسلامية التي تعرضت للانشقاق والتمزق تحتاج إلى هذا الصمام ليحميها من جو السكون والاستسلام ‏.‏
    لكن العباسيين غزوا في عقر دارهم ‏.‏‏.‏ فذلوا ، ولم يرفعوا راية الجهاد ضد العدو الخارجي ‏.‏‏.‏ فارتفعت رايات العصيان الداخلي ‏.‏
    وكان بإمكانهم أن يشغلوا الأجناس المختلفة التي ضمتها الدولة في هذه الحروب الجهادية المستمرة ضد الغزاة والوثنيات المختلفة ‏.‏‏.‏ لكنهم لم يفعلوا ، فتحركت النعرات القومية الجاهلية لتفتت الدولة، وتقسم جسمها تحت رايات مختلفة ليست لها بالإسلام أو الجهاد صلة ‏.‏
    وفي سنة 656هـ ‏(‏ 1258م ‏)‏ كان هولاكو ـ حفيد جنكيز خان ـ يؤدب الذين اتجهوا إلى كل الطرق إلا طريق الجهاد ‏.‏‏.‏ وحاولوا العلاج بكل الوسائل إلا الوسيلة الإسلامية القوية الخالدة ‏.‏
    وقد هاجم هولاكو بغداد وهدم أسوارها ، وأعمل المنجنيق فيها ، وحصد بغداد ، حتى لم يعد ممكنا الإقامة فيها لشدة روائحها المنفرة ، وعندما خرج الخليفة المستعصم إليه مستسلما بصحبة ثلاثمائة من أصحابه وقضاته دون شرط ، أمر هولاكو بقتلهم جميعا ، وطويت صفحة الخلافة العباسية ‏.‏
    ذلك أن أسلوب الأحلام الرومانتيكية الساذجة ليس وسيلة البقاء أو تشييد الحضارات ‏.‏‏.‏ فالذين لا يملكون إرادة الهجوم ‏.‏‏.‏ يفقدون القدرة على الدفاع ‏!‏‏!‏
يعمل...
X