تشير المراجع التاريخية الإسلامية إلى أن تاريخ الكسوة يرتبط بتاريخ الكعبة نفسها باعتبارها أهم مظاهر التبجيل والتشريف لبيت الله الحرام ، لذلك اهتم المسلمون على مدار التاريخ بكسوة الكعبة المشرفة وصناعتها والإبداع فيها وبرع في صناعتها أكبر فناني العالم الإسلامي وتسابقوا لهذا الشرف العظيم .
حتى جعلوا يوم تبديلها من كل عام احتفالا مهيبا لا نظير له وتجرى الاستعدادات التى وصلت إلى ذروتها لتغيير كسوة الكعبة المشرفة بكسوة جديدة من الحرير الخالص خيوط من الذهب والفضة تزينها طوال موسم الحج ، حيث يقوم المسئولون السعوديون في الرئاسة العامة لشئون المسجد الحرام وشئون المسجد النبوي الشريف باستبدال ثوب الكعبة الحالي بالثوب الجديد
وتزن الكسوة التى تستغرق صناعتها عشرة أشهر 650 كيلوجراما وتوضع على قمة الكعبة في وسط المسجد الحرام ويزين الجزء العلوي من الكسوة وهو بعرض 95 سنتيمترا آيات قرآنية مطرزة بخيوط فضية ملبسة بالذهب تزن 120 كيلوجراما فيما يبلغ ارتفاع الكسوة 14 مترا لتتناسب مع ارتفاع الكعبة وعرضها 47 مترا بما يكفي لتغطية جوانب الكعبة الأربعة المتساوية الطول ، فيما يستورد الحرير من خارج المملكة
ويعمل أكثر من 240 عاملا سعودي لأكثر من عشرة أشهر في إعداد الكسوة التي يجب أن تكون جاهزة قبل شهرين من الحج فى مصنع جهز خصيصا فى مكة المكرمة لصناعة كسوة الكعبة المشرفة كل عام والذى يقوم بهذه المهمة منذ أكثر من 30 عاما
ويجرى استيراد الحرير الخام ويكون باللون البني الفاتح (البيج) ثم يصبغ باللون الأسود .. وتمر كسوة الكعبة المشرفة بعدة مراحل فى عملية التصنيع بدءا بإزالة الصمغ أولا ثم الصباغة فمرحلة النسيج ثم التصميم فعمل دراسات للزخارف والخطوط في الفن الإسلامي تليها مرحلة الطباعة وانتهاء بمرحلة التطريز
ويقام في موسم حج كل عام احتفال سنوي في مصنع كسوة الكعبة المشرفة يتم فيه تسليم كسوة الكعبة المشرفة إلى كبير سدنة بيت الله الحرام ويقوم بتسليم الكسوة الرئيس العام لشئون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف ، كما يتم تسليم كيس لوضع مفتاح باب الكعبة تم إنتاجه في المصنع
وتصنع كسوة الكعبة المشرفة من الحرير الطبيعي الخالص المصبوغ باللون الأسود المنقوش عليه بطريقة الجاكار عبارات "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، "الله جل جلاله"، "سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم"، "يا حنان يا منان" .
كما يوجد تحت الحزام على الأركان سورة الإخلاص مكتوبة داخل دائرة محاطة بشكل مربع من الزخارف الإسلامية ويبلغ ارتفاع الثوب 14 مترا ويوجد في الثلث الأعلى من هذا الارتفاع حزام الكسوة بعرض 95 سنتيمترا ، وهو مكتوب عليه بعض الآيات القرآنية ومحاط بإطارين من الزخارف الإسلامية ومطرز بتطريز بارز مغطى بسلك فضي مطلي بالذهب ويبلغ طول الحزام 47 مترا ويتكون من 16 قطعة
كما تشتمل الكسوة على ستارة باب الكعبة المصنوعة من الحرير الطبيعي الخالص ويبلغ ارتفاعها 5ر7 متر وبعرض 4 أمتار مكتوب عليها آيات قرآنية وزخارف إسلامية ، ومطرزة تطريزا بارزا مغطى بأسلاك الفضة المطلية بالذهب .. وتبطن الكسوة بقماش خام كما يوجد 6 قطع من الآيات تحت الحزام وقطعة الإهداء و11 قنديلا موضوعة بين أضلاع الكعبة .
ويبلغ طول ستارة باب الكعبة 5ر7 أمتار بعرض 4 أمتار مشغولة بالآيات القرآنية من السلك الذهبي والفضي .. ورغم استخدام أسلوب الميكنة فإن الإنتاج اليدوي ما زال يحظى بالإتقان والجمال الباهر حيث يتفوق في الدقة والإتقان واللمسات الفنية المرهفة والخطوط الإسلامية الرائعة ويستهلك الثوب الواحد 670 كيلوجراما من الحرير الطبيعي ويبلغ مسطح الثوب 658 مترا مربعا ويتكون من 47 طاقة قماش طول الواحدة 14 مترا بعرض 95 سنتيمترا
يشار إلى أن الكعبة تستبدل ثوبها مرة واحدة كل عام فيما يتم غسلها مرتين سنويا الأولى في شهر شعبان والثانية في شهر ذي الحجة ، ويستخدم في غسلها ماء زمزم ودهن العود وماء الورد ، ويتم غسل الأرضية والجدران الأربعة من الداخل بارتفاع متر ونصف المتر ثم تجفف وتعطر بدهن العود الثمين
وتجدر الإشارة إلى أن الكعبة قبل الإسلام كانت تكسى في يوم عاشوراء، ثم صارت تكسى في يوم النحر وصاروا يعمدون إليها في ذي القعدة فيعلقون كسوتها إلى نحو نصفها ثم صاروا يقطعونها فيصير البيت كهيئة المحرم فإذا حل الناس يوم النحر كسوها الكسوة الجديدة
وتشير المراجع الإسلامية إلى أنه لم يتح لرسول الله (ص) كسوة الكعبة ، إلا بعد فتح مكة فكساها هو وأبو بكر الصديق بالثياب اليمنية ثم كساها عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان "القباطي المصرية" وهي أثواب بيضاء رقيقة كانت تصنع في مصر
ولقد حظيت مصر بشرف صناعة كسوة الكعبة منذ أيام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حيث كتب إلى عامله في مصر لكي تحاك الكسوة بالقماش المصري المعروف باسم "القباطي" الذي كان يصنع في مدينة الفيوم
وقد تعددت أماكن صناعة الكسوة مع انتقال العاصمة في مصر من مدينة إلى أخرى حتى انتهى الأمر إلى قاهرة المعز لدين الله الفاطمى بأن تأسست دار كسوة الكعبة بحي "الخرنفش" في القاهرة عام 1233هـ وهو حي عريق يقع عند التقاء شارع بين الصورين وميدان باب الشعرية ، وما زالت هذه الدار قائمة حتى الآن وتحتفظ بآخر كسوة صنعت للكعبة المشرفة فى مصر
واستمر العمل في دار الخرنفش حتى عام 1962 ميلادية إذ توقفت مصر عن إرسال كسوة الكعبة بعد أن تولت المملكة العربية السعودية شرف صناعتها
تعليق