أرض كنعان
ثم بعد ذلك تأتي أوصاف في عدة إصحاحات من هذا السفر تصف أرض كنعان ، فتقول التوراة المحرفة في الإصحاح العاشر :
(( كانت تخوم الكنعاني من صيدون (صيدا اليوم ) حينما تجيء نحو الجرار إلى غزة وحينما تجيء نحو السدوم وعمورة إلى لاشع )) هذه حدودها من الشرق إلى الغرب ولذلك فإنهم يستسيغون التنازل عن غزة دون هضبة الجولان .
ثم يقول : (( قال الرب لإبرام (1) اذهب من أرضك ، ومن عشيرتك ، ومن بيت أبيك ، إلى الأرض التي أريك ، فأجعلك أمة عظيمة وأباركك ، وأعظم اسمك ، وتكون بركة ، وأبارك مباركيك ، ولاعنك ألعنه ، وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض ، واجتاز إبراهيم في الأرض إلى مكان شكيمى إلى بلوطة مورة ، وكان الكنعانيون حينئذ في الأرض وظهر الرب لإبرام وقال : لنسلك أعطي هذه الأرض )) الإصحاح 12 .
(*) ويا عجبا لهذا المفتري على الله هذا النص وواضعه في التوراة ! ألم يسأل نفسه : هب أن حام بن نوح أطغى من فرعون وأكفر فما ذنب كنعان ؟ وهب أن سام بن نوح خير خلق الله ألم يجد ما يكافئه به إلا بأن يختص اليهود من بين ذريته بهذه الغنيمة المهداة "عبودية كنعان " ؟!
(1) في التوراة أن اسمه عليه السلام كان إبرام ، ثم غيره الرب فجعله إبراهيم .
ملك الختان
وقال في الإصحاح السابع عشر: (( أقيم عهدي بيني وبينك وبين نفسك من بعدك في أجيالهم عهدًا أبديًا ؛ لأكون إلهًا لك ولنسلك من بعدك وأعطي لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك ، كل أرض كنعان ملكًا أبديًا )) .
ومن الغريب أنه في السفر نفسه يحدد أن الختان هو علامة من يرثون الأرض ، وهذا يذكرنا بالحديث في صحيح البخاري حديث هرقل الذي قال فيه : " إنني رأيت في المنام أن ملك الختان قد ظهر " . والنصارى لا يختتـنون ، قيل له لا يختتن إلا اليهود فإن شئت تأمر فتقضي على كل من في مملكتك من اليهود ، ولما جاءوا له بأبي سفيان أيقن بالتأويل الصحيح للرؤيا بعدما سأله الأسئلة العجيبة في دلائل النبوة وشهد قيصر (هرقل ) بأن النبي صلى الله عليه وسلم هو الموعود بذلك ، ولكنهم يحرفون كل هذه النبوءات والمبشرات (*) .
لك ولنسلك
وفي الإصحاح الخامس عشر تحدد التوراة المحرفة الأرض التي هي ملك وحق أبدي فتقول : ( لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات ) .
ثم بعد ذلك يقول في الإصحاح 27 : " يستعبد لك شعوب ، وتسجد لك قبائل ، كن سيدًا لإخوتك ، وليسجد لك بنو أمك ، ليكن لاعنوك ملعونين ، ومباركوك مباركين " .
هذا ليعقوب ، وبعد ذلك يذكرون أن يعقوب نام بين بئر سبع وحران في أرض فلسطين فرأى الله فقال له :
( أنا الرب إله إبراهيم أبيك وإله إسحق ، الأرض التي أنت مضطجع عليها أعطيها لك ولنسلك ، ويكون نسلك كتراب الأرض وتمتد غربا وشرقا وشمالا وجنوبًا ، ويتبارك فيك وفي نسلك جميع قبائل الأرض ) الإصحاح 28 .
وأقل الأمم في الدنيا الآن اليهود ، ومع هذا أكثر اليهود في العالم الآن ليسوا من بني يعقوب ، وإنما من يهود العرب والأوروبيين وغيرهم ، فإذن كم يبقى من اليهود الذين من ذرية يعقوب عليه السلام ؟!
فالواقع يشهد أن هذه الوعود ليست لبني إسرائيل وأنهم يكذبون ويفترون على الله حين يجعلونها فيهم وإنما هي في بني إسماعيل (**) .
(*) تفاصيل ذلك في كتاب شيخ الإسلام (الجواب الصحيح ) ج 3 / 299 حتى ص 19 من ج 4)) .
(**) هناك خلاف مشهور هل العرب اليمنية من ذرية إسماعيل أم ليسوا كذلك ؟ ومع أن كثيرًا من المحققين يرجحون أنهم من ذريته نقول : على القول الآخر فإن ما بينهم وبين عرب مضر من الرحم والصلة أقرب قطعا مما بين يهود الفلاشا الزنوج ويهود شرق أروبا القوقازيين الذين يزعم الصهاينة اليهود والإنجيليون أنهم وسائر اليهود من ذرية إسحق . وهو باطل مركب ، ثم إن العرب كلهم تبع لقريش الذين اصطفى الله منهم رسوله صلى الله عليه وسلم . وانظر ص 70 .
لماذا النصارى ؟
وهنا لابد من سؤال ، إذا كان هذا هو الموضوع وهو إيمان اليهود بهذه الوعود التي قالوا أنها وردت في كتابهم المحرف ، فلليهود أن يؤمنوا بذلك باعتبارهم يهودًا ، ولكن ما علاقة النصارى بذلك . . ؟
ولماذا نجد النصارى اليوم يقفون مع اليهود صفًا واحدًا ؟ ويسعون جاهدين لتحقيق الوعد المفترى ؟
أستطيع أن أجيبكم بيسر فأقول :
لقد استغل اليهود الكتاب الذي يؤمن به اليهود والنصارى معًا وهو القسم الأول من ( الكتاب المقدس ) الذي يتكون من قسمين يسمون كلا منهما عهدًا ، فالأول هو العهد القديم وهو التوراة ، والآخر هو العهد الجديد وهو الأناجيل والرسائل .
والتوراة تشتمل على هذه النصوص فأي نصراني يبدأ بقراءة كتابه المقدس فهو يقرأها أول ما يقرأ فلا غرابة أَن يعتقد مضمونها كاليهود . ولكن في إمكانكم أن تقولوا - وأنتم على صواب - : أليس النصارى في تاريخهم كله يقرأون التوراة ويعلمون بهذا الوعد ومع ذلك يضطهدون اليهود أشد الاضطهاد إلى مطلع العصر الحديث ؟
فما الذي جعلهم ينقلبون هذا الانقلاب الهائل ويصبحون أكبر الساعين لتحقيق الوعد اليهودي ؟
وأقول لكم إن الأمر ليس كما تقولون فقط ، بل إن المذهل والمحير أن يكون الحامل لراية التبشير لهذا الوعد الرافع عقيرة إعلامه المتطور بضرورة ذلك هم النصارى لا سيما الأصوليون منهم ولا سيما في أمريكا ، ولهذا فاسمحوا لي أن آتي على هذه القضية الغريبة والخطيرة من جذورها .
تعليق