الدين حالة قلبية.. شعور.. إحساس باطني بالغيب.. وإدراك مبهم، لكنه مع إبهامه شديد الوضوح بأن هناك قوة خفية حكيمة مهيمنة عليا تدبر كل شيء
إحساس تام قاهر بأن هناك ذاتا عليا.. وأن المملكة لها ملك.. وأنه لا مهرب لظالم ولا إفلات لمجرم.. وأنك حر مسئول لم تولد عبثا ولا تحيا سدى وأن موتك ليس نهايتك.. وإنما سيعبر بك إلى حيث لا تعلم.. إلى غيب من حيث جئت من غيب.. والوجود مستمر
*******
هذا الإحساس يورث الرهبة والتقوى والورع، ويدفع إلى مراجعة النفس ويحفز صاحبه لأن يبدع من حياته شيئا ذا قيمة ويصوغ من نفسه وجودا أرقى وأرقى كل لحظة متحسبا لليوم الذي يلاقي فيه ذلك الملك العظيم.. مالك الملك
هذه الأزمة الوجودية المتجددة والمعاناة الخلاقة المبدعة والشعور المتصل بالحضور أبدا منذ قبل الميلاد إلى ما بعد الموت.. والإحساس بالمسئولية والشعور بالحكمة والجمال والنظام والجدية في كل شيء.. هو حقيقة الدين
إنما تأتي العبادات والطاعات بعد ذلك شواهد على هذه الحالة القلبية
وينزل القرآن للتعريف بهذا الملك العظيم.. ملك الملوك.. وبأسمائه الحسنى وصفاته وأفعاله وآياته ووحدانيته
ويأتي محمد عليه الصلاة والسلام ليعطي المثال والقدوة.. لتوثيق الأمر وتمام الكلمة
ولكن يظل الإحساس بالغيب هو روح العبادة وجوهر الأحكام والشرائع، وبدونه لا تعني الصلاة ولا تعني الزكاة شيئا
و لقد أعطى محمد عليه الصلاة والسلام القدوة والمثال للمسلم الكامل، كما أعطى المثال للحكم الإسلامي والمجتمع الإسلامي.. لكن محمدا عليه الصلاة والسلام وصحبه كانوا مسلمين في مجتمع قريش الكافر.. فبيئة الكفر، ومناخ الكفر لم يمنع أيا منهم من أن يكون مسلما تام الإسلام
وعلى المؤمن أن يدعو إلى الإيمان، ولكن لا يضره ألا يستمع أحد، ولا يضره أن يكفر من حوله، فهو يستطيع أن يكون مؤمناً في أي نظام وفي أي بيئة.. لأن الإيمان حالة قلبية، والدين شعور وليس مظاهرة، والمبصر يستطيع أن يباشر الإبصار ولو كان كل الموجودين عميانا
فالإبصار ملَكة لا تتأثر بعمى الموجودين، كما أن الإحساس بالغيب ملكة لا تتأثر بغفلة الغافلين ولو كثروا بل سوف تكون كثرتهم زيادة في ميزانها يوم الحساب
*******
إن العمدة في مسألة الدين والتدين هي الحالة القلبية
ماذا يشغل القلب.. وماذا يجول بالخاطر؟
و ما الحب الغالب على المشاعر؟
و لأي شيء الأفضلية القصوى؟
و ماذا يختار القلب في اللحظة الحاسمة؟
و إلى أي كفة يميل الهوى؟
تلك هي المؤشرات التي سوف تدل على الدين من عدمه.. وهي أكثر دلالة من الصلاة الشكلية، ولهذا قال القرآن: ولذكر الله أكبر.. أي أن الذكر أكبر من الصلاة.. برغم أهمية الصلاة
ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام لصحابته عن أبي بكر.. إنه لا يفضلكم بصوم أو بصلاة ولكنب شيء وقر في قلبه
وبهذا الشيء الذي وقر في قلب كل منا سوف نتفاضل يوم القيامة بأكثر مما نتفاضل بصلاة أو صيام
*******
وبالحس الديني، يشهد القلب الفعل الإلهي في كل شيء
في المطر والجفاف، في الهزيمة والنصر، في الصحة والمرض،في الفقر والغنى، في الفرج والضيق.. وعلى اتساع التاريخ يرى الله في تقلب الأحداث وتداول المقادير
و على اتساع الكون يرى الله في النظام والتناسق والجمال، كما يراه في الكوارث التي تنفجر فيها النجوم وتتلاشى في الفضاء البعيد
و في خصوصية النفس يراه فيما يتعاقب على النفس من بسط وقبض، وأمل وحلم، وفيما يلقى في القلب من خواطر وواردات.. حتى لتكاد تتحول حياة العابد إلى حوار هامس بينه وبين ربه طول الوقت
حوار بدون كلمات..
إن كل حدث يجري حوله هو كلمة إلهية وعبارة ربانية، وكل خبر مشيئة، وكل جديد هو سابقة في علم الله القديم
و هذا الفهم للمشيئة لا يرى فيه المسلم تعطيلا لحريته، بل يرى فيه امتدادا لهذه الحرية.. فقد أصبح يختار بربه، ويريد بربه، ويخطط بربه، وينفذ بربه.. فالله هو الوكيل في كل أعماله
بل هو يمشي به، ويتنفس به، ويسمع به، ويبصر به، ويحيا به.. وتلك قوة هائلة ومدد لا ينفد للعابد العارف، كادت أن تكون يده يد الله وبصره بصره، وسمعه سمعه، وإرادته إرادته
*******
إن نهر الوجود الباطني داخله قد اتسع للإطلاق.. وفي ذلك يقول الله في حديثه القدسي: لم تسعني سماواتي ولا أرضي ووسعني قلب عبدي المؤمن
هذا التصعيد الوجودي، والعروج النفسي المستمر هو المعنى الحقيقي للدين.. وتلك هي الهجرة إلى الله كدحا
يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه
و لا نجد غير الكدح كلمة تعبر عن هذه المعاناة الوجودية الخلاقة، والجهاد النفسي صعودا إلى الله
هذا هو الدين.. وهو أكبر بكثير من أن يكون حرفة أو وظيفة أو بطاقة أو مؤسسة أو زيا رسمياً
*******
- د.مصطفـى محمـود -
إحساس تام قاهر بأن هناك ذاتا عليا.. وأن المملكة لها ملك.. وأنه لا مهرب لظالم ولا إفلات لمجرم.. وأنك حر مسئول لم تولد عبثا ولا تحيا سدى وأن موتك ليس نهايتك.. وإنما سيعبر بك إلى حيث لا تعلم.. إلى غيب من حيث جئت من غيب.. والوجود مستمر
*******
هذا الإحساس يورث الرهبة والتقوى والورع، ويدفع إلى مراجعة النفس ويحفز صاحبه لأن يبدع من حياته شيئا ذا قيمة ويصوغ من نفسه وجودا أرقى وأرقى كل لحظة متحسبا لليوم الذي يلاقي فيه ذلك الملك العظيم.. مالك الملك
هذه الأزمة الوجودية المتجددة والمعاناة الخلاقة المبدعة والشعور المتصل بالحضور أبدا منذ قبل الميلاد إلى ما بعد الموت.. والإحساس بالمسئولية والشعور بالحكمة والجمال والنظام والجدية في كل شيء.. هو حقيقة الدين
إنما تأتي العبادات والطاعات بعد ذلك شواهد على هذه الحالة القلبية
وينزل القرآن للتعريف بهذا الملك العظيم.. ملك الملوك.. وبأسمائه الحسنى وصفاته وأفعاله وآياته ووحدانيته
ويأتي محمد عليه الصلاة والسلام ليعطي المثال والقدوة.. لتوثيق الأمر وتمام الكلمة
ولكن يظل الإحساس بالغيب هو روح العبادة وجوهر الأحكام والشرائع، وبدونه لا تعني الصلاة ولا تعني الزكاة شيئا
و لقد أعطى محمد عليه الصلاة والسلام القدوة والمثال للمسلم الكامل، كما أعطى المثال للحكم الإسلامي والمجتمع الإسلامي.. لكن محمدا عليه الصلاة والسلام وصحبه كانوا مسلمين في مجتمع قريش الكافر.. فبيئة الكفر، ومناخ الكفر لم يمنع أيا منهم من أن يكون مسلما تام الإسلام
وعلى المؤمن أن يدعو إلى الإيمان، ولكن لا يضره ألا يستمع أحد، ولا يضره أن يكفر من حوله، فهو يستطيع أن يكون مؤمناً في أي نظام وفي أي بيئة.. لأن الإيمان حالة قلبية، والدين شعور وليس مظاهرة، والمبصر يستطيع أن يباشر الإبصار ولو كان كل الموجودين عميانا
فالإبصار ملَكة لا تتأثر بعمى الموجودين، كما أن الإحساس بالغيب ملكة لا تتأثر بغفلة الغافلين ولو كثروا بل سوف تكون كثرتهم زيادة في ميزانها يوم الحساب
*******
إن العمدة في مسألة الدين والتدين هي الحالة القلبية
ماذا يشغل القلب.. وماذا يجول بالخاطر؟
و ما الحب الغالب على المشاعر؟
و لأي شيء الأفضلية القصوى؟
و ماذا يختار القلب في اللحظة الحاسمة؟
و إلى أي كفة يميل الهوى؟
تلك هي المؤشرات التي سوف تدل على الدين من عدمه.. وهي أكثر دلالة من الصلاة الشكلية، ولهذا قال القرآن: ولذكر الله أكبر.. أي أن الذكر أكبر من الصلاة.. برغم أهمية الصلاة
ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام لصحابته عن أبي بكر.. إنه لا يفضلكم بصوم أو بصلاة ولكنب شيء وقر في قلبه
وبهذا الشيء الذي وقر في قلب كل منا سوف نتفاضل يوم القيامة بأكثر مما نتفاضل بصلاة أو صيام
*******
وبالحس الديني، يشهد القلب الفعل الإلهي في كل شيء
في المطر والجفاف، في الهزيمة والنصر، في الصحة والمرض،في الفقر والغنى، في الفرج والضيق.. وعلى اتساع التاريخ يرى الله في تقلب الأحداث وتداول المقادير
و على اتساع الكون يرى الله في النظام والتناسق والجمال، كما يراه في الكوارث التي تنفجر فيها النجوم وتتلاشى في الفضاء البعيد
و في خصوصية النفس يراه فيما يتعاقب على النفس من بسط وقبض، وأمل وحلم، وفيما يلقى في القلب من خواطر وواردات.. حتى لتكاد تتحول حياة العابد إلى حوار هامس بينه وبين ربه طول الوقت
حوار بدون كلمات..
إن كل حدث يجري حوله هو كلمة إلهية وعبارة ربانية، وكل خبر مشيئة، وكل جديد هو سابقة في علم الله القديم
و هذا الفهم للمشيئة لا يرى فيه المسلم تعطيلا لحريته، بل يرى فيه امتدادا لهذه الحرية.. فقد أصبح يختار بربه، ويريد بربه، ويخطط بربه، وينفذ بربه.. فالله هو الوكيل في كل أعماله
بل هو يمشي به، ويتنفس به، ويسمع به، ويبصر به، ويحيا به.. وتلك قوة هائلة ومدد لا ينفد للعابد العارف، كادت أن تكون يده يد الله وبصره بصره، وسمعه سمعه، وإرادته إرادته
*******
إن نهر الوجود الباطني داخله قد اتسع للإطلاق.. وفي ذلك يقول الله في حديثه القدسي: لم تسعني سماواتي ولا أرضي ووسعني قلب عبدي المؤمن
هذا التصعيد الوجودي، والعروج النفسي المستمر هو المعنى الحقيقي للدين.. وتلك هي الهجرة إلى الله كدحا
يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه
و لا نجد غير الكدح كلمة تعبر عن هذه المعاناة الوجودية الخلاقة، والجهاد النفسي صعودا إلى الله
هذا هو الدين.. وهو أكبر بكثير من أن يكون حرفة أو وظيفة أو بطاقة أو مؤسسة أو زيا رسمياً
*******
- د.مصطفـى محمـود -