وما لنا لا نتصفح سير العظماء الذين عاشوا في الروابي العالية ، ولو على عجل ، لنستلهم شيئاً من دروس إبداع الحياة ، حتى وإن لسعنا شعور بضحالة ما لدينا ..!
صبي هندي صغير اسمه " أحمد " ، انسدلت عليه ثياب الفقر مزقاً مهدلة ، فعاش مبدأ عمره بلا والده الذي هاجر خياطاً لثياب أهل جنوب أفريقية ، فعاش في كنف والدته يعاركان الفقر والجهل ، فلما بلغ التاسعة من عمره ، لحق بوالده ليراه لأول مرة .. ولكن منذ متى تكتمل الفرحة في صفحات هذه الدنيا.. فما هي إلا شهور وتنتقل والدته إلى الرفيق الأعلى ليذوق مرارة اليتم مجدداً .. فكأن عيني ذلك الطفل تتساءل : مالصدق ؟ ما نفرح به أم ما نحزن لأجله ..؟!
في ذلك البلد الغريب عليه التحق بالسلك التعليمي ، وعمره عشر سنوات ، فتخطى حاجز اللغة وتعداه إلى خط التفوق ، ولكن أبى الفقر مجدداً أن ينغص حياته ، ليحرمه من مواصلة تعليمه كما حرمه أن يجتمع مع أبيه وأمه سنيّ طفولته البائسة .. فرمى به إلى أحد الحوانيت الصغيرة باحثاً عن وظيفة يهش بها حوائج الزمن ..
و لكن لم يكن هذا الحانوت إلا أحد خيوط القدر ، التي تخبئ خلفها أمراً عظيماً ، يسحبه الخيط شيئاً فشيئاً .. فقد كان بجواره أحد الإرساليات النصرانية ، التي كان طلابها يأتون إلى هذا المتجر ليبتاعوا الحاجيات الغذائية ويرمون مع نقودها سيلاً من التهكم والسخرية للباعة المسلمين .. وعن هذا يقول : " كانوا يأتون إلينا ليقولوا : هل تعلمون شيئًا عن عدد زوجات محمد ؟ ألا تدرون أنه نسخ القرآن وأخذه من كتب اليهود والنصارى؟ هل تعلمون أنه ليس نبيًّا ؟ .. لم أكن أعلم شيئًا عما يقولون . كل ما كنت أعلمه أنني مسلم اسمي أحمد، أصلي كما رأيت أبي يصلي، وأصوم كما كان يفعل، ولا آكل لحم الخنزير، أو أشرب الخمور، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله "
لكن ّ العظماء وحدهم يستخرجون من الآلام الحادة إبداعاً كحدتها ..وهم وحدهم من يخرجون من غيهب الليل كمبرق الصبح ..
فحبه للقراءة والعلم و شعوره الآسي بفقد تعليمه ، جعله يقبل بشغف على قراءة كل ما يقع عليه نظره .. وذات مرة هو يبجث عما يسد رمق عقله النهم ، عثر على كتاب كان عنوانه بالحروف اللاتينية " izharulhaq " ، وقلّبه ليجد العنوان بالإنجليزية " Truth Revealed " أي ( إظهار الحق) لـ "رحمة الله الهندي " .. فكان ريـْـق الغيث ..
هذا الكتاب الذي تأثر به كثيراً أحمد ديدات ، كان متخصصاً في الرد على المنصرين في الهند ، و مـُوشّى بانتصارات المسلمين عليهم .. وبه دروس لمجادلة أولئك القوم ، وكيفية طرح الأسئلة عليهم ، وقلب الطاولة ضدهم .. فانقدحت فكرة المناظرات بذهن أحمد ..
اشترى بعدها أول انجيل ودرسه جيداً ، ثم الأناجيل الأخرى ، ليكشف عن تناقضات كبيرة بينها ، وبدأ بمناقشة النصارى ، ليتحول حانوته إلى شبيه بالجامعة ..!
تنقل " أحمد " بين وظائف عدة ، وواصل تعليمه بنفسه ، حتى ما إذا اكتملت ملكة المناظرة لديه جاب جنوب أفريقية يناظر عامة النصارى وقساوستهم محدثاً مع رفيقيه في درب الدعوة " غلام فنكا " و "صالح محمد" اضطراباً في الوسط الكنسي ، ومن ثم في الوسط العام .. حتى أن بعض الكنائس دفعت المراكز التابعة لها والجامعات إلى بحث ودراسة مناظراته وكتبه ، لصد ّ آثارها على النصارى ..!
وأكثر مااشتهر به مناظراته التي عقدها مع كبار رجال الدين ، أمثال القس "سويجارت "الأمريكي والقس " أنيس شروش " الفلسطيني . . كما أنه ألف الكثير من الكتب والرسائل ، متخذاً منهجاً شرعياً مؤصلاً قوامه الحجة والبرهان ، ومحوره أصل الخلاف وهو " التوحيد " .. منها : " ماذا يقول الإنجيل عن محمد " ، " هل الإنجيل كتاب الله " وكتاب " الاختيار " ... التي وزعت الملايين منها بالمجان ..
كان يحلم حتى أواخر حياته المـُنجزة حلماً يقظاً ترجمه لنا بقوله : " لئن سمحت لي الموارد فسأملأ العالم بالكتيبات الإسلامية ، وخاصة كتب معاني القرآن الكريم باللغة الإنجليزية ..ابذلوا قصارى جهودكم في نشر كلمة الله إلى البشرية.. إنها المهمة التي لازمتها في حياتي .."
لم يكتف هذا الداعية بما قدم من مناظرات وكتب ، بل كان يفكر بدعوة دائمة ، لا تنتهي بموته ، يورّثها لمن بعده ، فقد أسس معهد السلام لتخريج الدعاة ، والمركز الدولي للدعوة الإسلامية بجنوب أفريقيا الذي يجري تنظيم دورات لمدة عامين . . كما أن أسس وقفاً لتعليم المهتدين الجدد إلى الإسلام مهناً يقتاتون بها ..
و كما هي السنة الإلهية التي تمحص المؤمنين بالإبتلاء على قدر إيمانهم .. أصيب عام 1996 م بشلل تام عطل جميع مابجسده ، إلا عقله .. ولكن لم يـُشـَّل إقدامه على مواصلة السير في درب الدعوة ، بل ربما كان مثاراً لنشاطه وعنت شكيمته ، فلم تقهر الدنيا عزمه لأنها ليست هدفه ، بل قهرها هو بعزمه لأنها لم تظفر به .. مستخدماً أسلوب الإشارة ، ليتواصل مع من قصده من جميع أنحاء الدنيا .. وقد علق فوقه ملصق يحمل الجدول التالي
1 A B C D E F
2 G H I J K L
3 M N O P Q R
4 S T U V W Y
5 X Z
فهو يحرك جفنيه سريعاً وفق الجدول ، ليكون الحروف ، ثم الكلمات ، ثم الجمل .. كنظام حاسوبي معقد ..!
استمر يدعو وينافح عن ديننا مبرزاً عظمته لا مبرراً لشرائعه وحسب ، إلى أن سلّته المنية يوم الاثنين 08/08/2005 وقد أسلم بسببه الآلاف ، قدرهم البعض بستين ألف شخص ، في مشارق الأرض ومغاربها .. ومازالت محاضراته وكتبه تحت الطلب ، لتشكل دعوة لا منقطعة ، ورصيداً في صفحة ضخمة في أيدي ملائكة الرحمة بإذن الله .
اللهم تجاوز عن تقصيرنا وإفراطنا ، واجمعنا به مع الأنبياء والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا .
موقعه على الانترنت
http://www.ahmed-deedat.co.za/
صبي هندي صغير اسمه " أحمد " ، انسدلت عليه ثياب الفقر مزقاً مهدلة ، فعاش مبدأ عمره بلا والده الذي هاجر خياطاً لثياب أهل جنوب أفريقية ، فعاش في كنف والدته يعاركان الفقر والجهل ، فلما بلغ التاسعة من عمره ، لحق بوالده ليراه لأول مرة .. ولكن منذ متى تكتمل الفرحة في صفحات هذه الدنيا.. فما هي إلا شهور وتنتقل والدته إلى الرفيق الأعلى ليذوق مرارة اليتم مجدداً .. فكأن عيني ذلك الطفل تتساءل : مالصدق ؟ ما نفرح به أم ما نحزن لأجله ..؟!
في ذلك البلد الغريب عليه التحق بالسلك التعليمي ، وعمره عشر سنوات ، فتخطى حاجز اللغة وتعداه إلى خط التفوق ، ولكن أبى الفقر مجدداً أن ينغص حياته ، ليحرمه من مواصلة تعليمه كما حرمه أن يجتمع مع أبيه وأمه سنيّ طفولته البائسة .. فرمى به إلى أحد الحوانيت الصغيرة باحثاً عن وظيفة يهش بها حوائج الزمن ..
و لكن لم يكن هذا الحانوت إلا أحد خيوط القدر ، التي تخبئ خلفها أمراً عظيماً ، يسحبه الخيط شيئاً فشيئاً .. فقد كان بجواره أحد الإرساليات النصرانية ، التي كان طلابها يأتون إلى هذا المتجر ليبتاعوا الحاجيات الغذائية ويرمون مع نقودها سيلاً من التهكم والسخرية للباعة المسلمين .. وعن هذا يقول : " كانوا يأتون إلينا ليقولوا : هل تعلمون شيئًا عن عدد زوجات محمد ؟ ألا تدرون أنه نسخ القرآن وأخذه من كتب اليهود والنصارى؟ هل تعلمون أنه ليس نبيًّا ؟ .. لم أكن أعلم شيئًا عما يقولون . كل ما كنت أعلمه أنني مسلم اسمي أحمد، أصلي كما رأيت أبي يصلي، وأصوم كما كان يفعل، ولا آكل لحم الخنزير، أو أشرب الخمور، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله "
لكن ّ العظماء وحدهم يستخرجون من الآلام الحادة إبداعاً كحدتها ..وهم وحدهم من يخرجون من غيهب الليل كمبرق الصبح ..
فحبه للقراءة والعلم و شعوره الآسي بفقد تعليمه ، جعله يقبل بشغف على قراءة كل ما يقع عليه نظره .. وذات مرة هو يبجث عما يسد رمق عقله النهم ، عثر على كتاب كان عنوانه بالحروف اللاتينية " izharulhaq " ، وقلّبه ليجد العنوان بالإنجليزية " Truth Revealed " أي ( إظهار الحق) لـ "رحمة الله الهندي " .. فكان ريـْـق الغيث ..
هذا الكتاب الذي تأثر به كثيراً أحمد ديدات ، كان متخصصاً في الرد على المنصرين في الهند ، و مـُوشّى بانتصارات المسلمين عليهم .. وبه دروس لمجادلة أولئك القوم ، وكيفية طرح الأسئلة عليهم ، وقلب الطاولة ضدهم .. فانقدحت فكرة المناظرات بذهن أحمد ..
اشترى بعدها أول انجيل ودرسه جيداً ، ثم الأناجيل الأخرى ، ليكشف عن تناقضات كبيرة بينها ، وبدأ بمناقشة النصارى ، ليتحول حانوته إلى شبيه بالجامعة ..!
تنقل " أحمد " بين وظائف عدة ، وواصل تعليمه بنفسه ، حتى ما إذا اكتملت ملكة المناظرة لديه جاب جنوب أفريقية يناظر عامة النصارى وقساوستهم محدثاً مع رفيقيه في درب الدعوة " غلام فنكا " و "صالح محمد" اضطراباً في الوسط الكنسي ، ومن ثم في الوسط العام .. حتى أن بعض الكنائس دفعت المراكز التابعة لها والجامعات إلى بحث ودراسة مناظراته وكتبه ، لصد ّ آثارها على النصارى ..!
وأكثر مااشتهر به مناظراته التي عقدها مع كبار رجال الدين ، أمثال القس "سويجارت "الأمريكي والقس " أنيس شروش " الفلسطيني . . كما أنه ألف الكثير من الكتب والرسائل ، متخذاً منهجاً شرعياً مؤصلاً قوامه الحجة والبرهان ، ومحوره أصل الخلاف وهو " التوحيد " .. منها : " ماذا يقول الإنجيل عن محمد " ، " هل الإنجيل كتاب الله " وكتاب " الاختيار " ... التي وزعت الملايين منها بالمجان ..
كان يحلم حتى أواخر حياته المـُنجزة حلماً يقظاً ترجمه لنا بقوله : " لئن سمحت لي الموارد فسأملأ العالم بالكتيبات الإسلامية ، وخاصة كتب معاني القرآن الكريم باللغة الإنجليزية ..ابذلوا قصارى جهودكم في نشر كلمة الله إلى البشرية.. إنها المهمة التي لازمتها في حياتي .."
لم يكتف هذا الداعية بما قدم من مناظرات وكتب ، بل كان يفكر بدعوة دائمة ، لا تنتهي بموته ، يورّثها لمن بعده ، فقد أسس معهد السلام لتخريج الدعاة ، والمركز الدولي للدعوة الإسلامية بجنوب أفريقيا الذي يجري تنظيم دورات لمدة عامين . . كما أن أسس وقفاً لتعليم المهتدين الجدد إلى الإسلام مهناً يقتاتون بها ..
و كما هي السنة الإلهية التي تمحص المؤمنين بالإبتلاء على قدر إيمانهم .. أصيب عام 1996 م بشلل تام عطل جميع مابجسده ، إلا عقله .. ولكن لم يـُشـَّل إقدامه على مواصلة السير في درب الدعوة ، بل ربما كان مثاراً لنشاطه وعنت شكيمته ، فلم تقهر الدنيا عزمه لأنها ليست هدفه ، بل قهرها هو بعزمه لأنها لم تظفر به .. مستخدماً أسلوب الإشارة ، ليتواصل مع من قصده من جميع أنحاء الدنيا .. وقد علق فوقه ملصق يحمل الجدول التالي
1 A B C D E F
2 G H I J K L
3 M N O P Q R
4 S T U V W Y
5 X Z
فهو يحرك جفنيه سريعاً وفق الجدول ، ليكون الحروف ، ثم الكلمات ، ثم الجمل .. كنظام حاسوبي معقد ..!
استمر يدعو وينافح عن ديننا مبرزاً عظمته لا مبرراً لشرائعه وحسب ، إلى أن سلّته المنية يوم الاثنين 08/08/2005 وقد أسلم بسببه الآلاف ، قدرهم البعض بستين ألف شخص ، في مشارق الأرض ومغاربها .. ومازالت محاضراته وكتبه تحت الطلب ، لتشكل دعوة لا منقطعة ، ورصيداً في صفحة ضخمة في أيدي ملائكة الرحمة بإذن الله .
اللهم تجاوز عن تقصيرنا وإفراطنا ، واجمعنا به مع الأنبياء والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا .
موقعه على الانترنت
http://www.ahmed-deedat.co.za/
تعليق