عندما ينصرف فعل الكتابة إلي ذكر صدام حسين فلابد أن تطاردك صور إعدامه ، ومن ثم يختلط ما هو إنساني بما هو سياسي فتغيب بوصلة الكتابة ويدفعك القلم إلي إصدار أحكام مطلقة تبتعد كثيرا عن الموضوعية، ورغم هذا التشابك يظل الاقتراب ممن عرفوه أو جالسوه في أيامه الأخيرة «مغنما صحفيا» لأنه يرصد مشهدا ارتبط بشخصية غيرت مسار التاريخ في المنطقة فجاءت بمعادلة سياسية جديدة تحمل ملامح مغايرة.
ومن ثم استمعنا لشهادة «محمد منيب» عضو فريق الدفاع عن صدام حسين ليحكي لنا تفاصيل تعمدنا أن تكون إنسانية لتنقل بعضا من ملامح اللحظات الأخيرة لرئيس العراق الراحل .. فإلي هذه التفاصيل:
.. بداية نرغب في تجاوز مشهد الإعدام للرئيس العراقي لنقترب أكثر من صدام الإنسان الذي رأيته من لحظة سجنه حتي إعدامه فلنبدأ بعدد المرات التي التقيته فيها؟
- كان هناك نوعان من اللقاءات مع الرئيس العراقي صدام حسين ، لقاءات عبر شاشة التليفزيون وكان ذلك بشكل يومي قبل جلسات المرافعة ، ففي كل جلسة للمرافعة حتي وقت امتناعنا عن حضور الجلسات كنا نلتقي به عبر شاشات التليفزيون لمدة نصف ساعة علي الأقل ،
وكان ذلك يتم قبل بدء أي جلسة في المحاكمة ، حيث يكون الرئيس صدام في غرفة أخري ونحن في غرفة المحامين ويتم اللقاء به عبر هذه الشاشة، وخلال هذا اللقاء كنا نتبادل التحيات وبعدها نتحدث عما سنفعله ويقص لنا أيضا ما حدث معه «أي لقاء تشاوري» وكانت هذه اللقاءات مسجلة وتتم متابعتها بشكل دقيق.
.. ما المحاور التي كان يتم التركيز عليها من قبل صدام معكم أثناء هذه اللقاءات ؟ وهل كان ينصرف الحديث عن المسائل الجدية ؟
- انطباعات الناس عن صدام أنه ذكي لكن دعني أقل إنه أذكي كثيرا مما نتصور فلم يكن يبدأ لقاءاته معنا بجدول أعمال ، فقد كان يتركنا نحدد ما الذي نريده ، فلو بدأنا المسألة بكلمات لطيفة ونحاول أن نجعله صباحا لطيفا يبتعد تماما عن موضوع المحاكمة ،
لم يكن يوقف هذا بل كان يستطرد معنا فيما نود أن نتحدث فيه ، وما لم نفتح معه موضوعا بما فيه المحاكمة لم يكن يتطرق إليه إلا في حالة واحدة وهي امتلاكه معلومة جديدة محددة يريد إيصالها لنا ، من قبيل توصيل معلومات له من الأمريكان أو طلبهم شيئا ما، أو يري أنه يجب التركيز علي شيء ما في موضوع المحاكمة.
.. اضرب لنا أمثلة من المعلومات أو الموضوعات الجديدة التي كانت تصل إليه وأبلغكم إياها؟
- هناك أشياء كثيرة أنوي أن أذكرها في كتاب لي وأعتقد الآن أني لن أجد شيئا أكتبه في هذا الكتاب ، ولكن سأذكر لك أن من هذه الأمور التي كان يذكرها حديثه عن طريقة التعامل مع المحاكمة ، فكنا أحيانا نقرر تعليق الحضور في المحكمة وقد حدث هذا أكثر من مرة ، وفي بعض الأحيان كان يقرأ المحكمة بشكل مختلف ، فينصحنا مثلا بإرجاء قرار التعليق لجلسة اليوم الذي نحن بصدده لأنه كان يتوقع أن هذه الجلسة سيثار فيها محور ما بعينه ، ولم يكن المحامون متوقعين إثارة مثل هذا الأمر ،
وأنا لا أتذكر أنه أخطأ مرة في تقدير هذا الأمر ، وكانت هذه النصائح ليست حاضرة في هذا الأمر فحسب بل أيضا في القانون ، وهذا لا يعني أن أقول بأنه يفهم في القانون أكثر منا ولكنه عندما كان يتحدث في القانون فإن ذلك لم يكن يتم إلا حينما يكون متأكدا وواثقا مما يقول.
.. نريد الاستزادة من هذه الأمثلة؟
- هناك نقطة أخري متعلقة بفكرة التعامل مع هيئة المحكمة ، فرغم أنه كان يعلم ويدرك أنها معينة من قبل المحتل الأمريكي وأن اعضاءها مجرد أدوات في يد الاحتلال ، غير أنه كان يثق بشدة في الضمير العربي العراقي ، أي أنه كان يثق في أن هناك لحظة ما ستأتي علي كل قاض جالس علي منصة القضاء ، سيراجع فيها نفسه فيعود إلي الصواب،
وإذا استرجعت شريط المحاكمة ستجد أن القاضي الأول لمحكمة الدجيل «محمد رزكار أمين» كان قد بدأ متشددا للغاية في البداية ، ولكنه انسحب بعد ذلك وأعلن أن انسحابه جاء بعد الضغوط التي تعرض لها ، وهذا القاضي نفسه أدان حكم الإعدام كما أدان طريقة تنفيذ الإعدام ، ورغم أنه كردي الأصل غير أنه لم يحتمل من خلال ضميره كقاض ، كما أن القاضي الآخر «عبدالله العامري» في قضية «الأنفال» عندما اتجه
إلي أن يكون محايدا لم تحتمل السلطة التنفيذية ذلك فقررت تغييره بالقاضي الحالي «محمد العريبي» الذي لا يصلح أن يكون قاضيا بعكس العامري الذي كان قاضيا متميزا بحق ومثل هذه الأنواع مثل القاضي «العريبي» هو الذي يهين القضاء وليس هذا تعريضا به بل إني أحترم كل منصة قضاء حتي لو كانت في بلد صغير في أفريقيا ولكن عندما يحترمها ويقدرها من يجلس عليها.
.. وكيف كانت لقاءاتك المباشرة به؟
- كان اللقاء الواحد من هذه اللقاءات يمتد أحيانا إلي أربع ساعات وبالتالي كان فرصة لتداول كل ماشئنا من قضايا تبدأ من أوضاعه داخل السجن علي المستوي الصحي والنفسي والمعيشي، أي الأكل والشرب والملبس والأدوات وكل ما يحتاجه البشر في حياتهم اليومية ، وتنتهي بالتحليل السياسي لطبيعة الصراع الدائر حاليا في العراق بما فيه من تفاصيل من نوع المقاومة وإلي ماذا وصلت والخسائر الأمريكية ، والعامل الطائفي وهو، ونحن كنا نعلم أن هذه اللقاءات المباشرة كانت أيضا مسجلة.
.. طوال لقاءاتكم التي كانت تمتد إلي أربع ساعات تحدثت عن لجوئه إلي التحليل السياسي للمشهد العراقي فهل كان يتطرق للمشهد العربي بشكل عام؟
- في المشهد العراقي كان يبدأ أولا بالاستماع إلينا وإلي الأخبار الخاصة بذلك المشهد ، وكنا حريصين جميعا أن يعلم منا جميع التفاصيل التي ترد عن العراق في وكالات الأنباء والصحف والمعلومات التي تتواتر إلينا عما يحدث علي الأرض في العراق أو الوطن العربي ،
وبناء علي ما كان يسمع منا كان عادة ما ينهي الأمر بتحليل سياسي يومي في يوم اللقاء عن المشهد الذي يراه من خلال ما ننقله إليه. وكان يري أن المقاومة في العراق بغض النظر عن صدام أو البعث ، أي بغض النظر عن مدي القوة النسبية في هذه المقاومة لأنه كان يعلم أن هذه المقاومة تمثل أطيافا متعددة ، كما كان يدرك أن هذه المقاومة في تزايد واستمرارية ، وكان يثق بأن أطيافا كثيرة في الشارع العراقي بما فيها الطيف الشيعي ستكون عنصرا مؤثرا في المقاومة نفسها ،
وأن الشيعة العرب العراقيين مختلفون تماما عن هؤلاء الشيعة الذين جاءوا علي ظهر دبابات الاحتلال ، وكما تعلم ويعلم الجميع أنه قد حدث أيام صدام نوع من الذوبان الحقيقي بين الطوائف فقد كان هناك تزاوج يومي بين الطائفتين الشيعية والسنية في حالة جعلت من الصعب التفرقة بين الشيعي والسني وبالتالي فقد كان يدرك أن من مصلحة هؤلاء كشعب عدم اللجوء إلي الاصطفاف الطائفي ، لأنه ضد مصلحتهم وفي رأيي أن ذلك قد حدث الآن ، وأعلم وعن يقين أن بعض الشيعة العرب في العراق يناضل في صفوف المقاومة.
.. هل كان يعتقد أن هناك من يقاومون إيمانا بصدام كرمز؟
- نعم كان يعلم أن هذا يحدث.
.. وحتي من غير البعثيين؟
- طبعا فهو كان يحاول أن تكون رسالته دائما التي نحملها وننشرها تباعا متركزة حول أن صدام هو أحد مواطني الشعب العراقي ، فمن يحب صدام فعليه أن يقاتل من أجل قضية التحرير ذاتها وليس من أجل صدام نفسه ، فهو قد يذهب ويجيء مكانه آخرون ولذا كان الهدف هو أن يظل العراق ويبقي ، وكان واضحا في هذا الأمر.
.. هل قص لكم صدام تفاصيل مشهد إلقاء القبض عليه ؟
- المشهد الذي رأيناه في التليفزيون ليس حقيقيا فلم يتم إلقاء القبض عليه بهذه الطريقة فهو لا يتذكر أبدا هذا المشهد وكل ما يتذكره أنه كان يستريح عند الخائن الذي أبلغ عنه في إحدي الغرف المجاورة للدار.
.. ما اسم هذا الشخص؟
- أعلم اسمه ولكن لن أذكره حاليا بل سأذكره في الوقت المناسب وهو حاليا محتجز برضاه تحت حراسة أمريكية ولا يغادر مكانه أبدا وقد حصل علي المكافأة التي تبلغ ٢٥ مليون دولار ويحتفظ بها في مكان احتجازه.
.. هل هو سني وينتمي لعشيرة صدام؟
- نعم هو سني وينتمي لعشيرة صدام كما أنه بعثي ، ولذلك لابد أن نقول بأن الخيانة ليس لها علاقة بطائفة أو دين أو عشيرة ، فالخيانة خيانة في أي مكان ، في مصر لدينا خونة ولذا لا نستكثر علي العراق أن يكون فيه خونة.
.. ما مطالبه الشخصية التي كان يذكرها أمامكم؟
- الغريب أنه كان لا يطلب شيئا طوال لقاءاتنا به.
.. ألا يختلف ذلك عما رأيناه من مشاهد مهينة وهو يخدم نفسه بغسيل ملابسه وما إلي ذلك؟
- لم تكن هذه مشاهد مهينة ، هذا خطأ في التفسير من جانبنا ، فماذا نتوقع من سجين وخصوصا إن كان نظيفا، ودليل حرصه علي النظافة هذه الصورة التي نشرتها وسائل الإعلام فقد كان يهتم بغسيل ملابسه بنفسه لأنه لا يوجد معه خدم أو خلافه ليقوموا بذلك فالطبيعي أن يقوم بذلك بنفسه وهذا لا يهينه ولا يشينه بل بالعكس يجعلنا نكبره جميعا فهو أكثر تواضعا من أي شخص بالرغم من كونه القائد المهيب الركن «صدام حسين».
.. هل طلب صدام في بداية سجنه مصحفا ليقرأ فيه أم أن إدارة السجن هي التي قامت بتسليمه إياه؟
- هو لم يتسلم المصحف ، فهناك قصة لهذا المصحف ، فمنذ أن تم اعتقاله كان يحتفظ بنسخة أخري من المصحف غير التي كنا نراها معه في الصور ، ففي الأيام الأولي من اعتقاله دخلوا عليه الزنزانة وأخرجوا كل محتوياتها بما فيها المصحف.
.. هل كان هذا المصحف معه وقت إلقاء القبض عليه؟
- كان أول شيء طلبه عند دخوله السجن هو المصحف ، ولكن النسخة الأخري التي نتحدث عنها مختلفة عن التي تسلمها من إدارة السجن ، وبدأت قصة هذه النسخة عندما كانوا يقتادونه إلي إحدي غرف التحقيق ووقتما كان يسير وسط حراسة في أحد الأماكن التي يعلمها جيدا في أحد قصوره وكان يعلم أن قصور الجمهورية العراقية قد نهبت وكان من بين محتويات هذه القصور المصاحف التي كان يطبعها دائما وجد مصحفا ملقي علي الأرض محترق الجوانب ومتسخاً جدا ومفتوحاً علي إحدي الصفحات
وقال لنا إن عينه ظلت مركزة علي هذا المصحف وتحايل علي الحرس عندما اقترب من مكان المصحف مدعيا انزلاق قدمه ليغافلهم بالتقاط المصحف المحترق ومن يومها وهذا المصحف لا يفارقه إلي أن سلمه لأحد الاشخاص والذي طلب أن يتسلمه منه بنفسه قبل لحظات من إعدامه.
.. من هذا الشخص؟
- صعب الإعلان عنه الآن حرصا علي أمنه.
.. هل هو أحد أبناء عشيرته؟
- بغض النظر عن اسمه فهو أحد المحامين المدافعين عنه وأنت تعلم أنه قد تم اغتيال ٥ محامين من فريق الدفاع عنه وبالتالي فالحفاظ علي من تبقي منهم «مهم».
.. هل هو الدليمي؟
- ليس الدليمي فالدليمي معروف للجميع الآن فهو المطلوب الأول علي قائمة فرق الموت، ولعلمك فإن صورنا جميعا معلقة في بغداد بما فيها صورة شخصي المتواضع والمطلوب فيها قتلنا جميعا في أي مكان في العالم.
.. كيف كان حديثه عن مصر ومصر قد ساهمت في تشكيل وجدانه الخاص في الفترة التي قضاها بالقاهرة؟
- المكان الوحيد الذي كان عندما يتحدث عنه لا يفرق بينه وبين العراق ، وحالة العشق التي يكنها لمصر وشعبها كانت تتجاوز الحدود وتثير حفيظة بعض أصدقائنا العراقيين أحيانا ، فقد كان عاشقا لمصر ويعلم طبيعة ومعدن المصريين البسطاء.
.. هل كان يفرق بين مصر الآن ومصر عبدالناصر؟
- الحديث عن مصر عبدالناصر ، كان بالطبع مختلفا ، ولكنه كان ذكيا لدرجة أنه لم يحاول الاساءة إلي مصر الآن وكان يلتمس لسياسييها الاعذار عندما كنا ننتقد أمامه النظام المصري.
.. أعذار مثل ماذا؟
- أعذار مثل أنهم مضغوط عليهم من الأمريكيين وما تحت يدهم من أدوات لا يساعدهم فضلا عن أن الضغط القادم من واشنطن شديد ، فقد كان يحاول التماس الأعذار لدينا من شدة هجومنا علي النظام المصري والأنظمة العربية.
.. أي كان محامي الأنظمة أمام هجماتكم اللفظية؟
- نعم كان محاميهم أمامنا ويلتمس لهم العذر في تأييد الولايات المتحدة.
.. هل كانت هذه اللقاءات تأخذ مسحة الجدية؟
- أبدا فقد كان اللقاء يبدأ بالتحيات والسؤال عن الصحة والعافية والأسر والزاوج والطلاق وبعض النكات المصرية.
.. هل كان هو الذي يطلقها؟
- أنا كنت دائما ألقيها عليه فقد كان يطلبها مني ولكن بصنعة لطافة.
.. ما آخر نكتة قلتها أمامه؟
- لا أتذكر ، ولكنه كان يتعمد أن «ينكشني» ليس لإلقاء نكتة فحسب بل للممازحة كما يحدث في أحاديث المصريين اليومية.
.. هل تحدث إليكم عن شعوره بالذنب من أي فعل قام به؟
- كان واضحا جدا في أن هناك أخطاء قد ارتكبت وأنه مسئول عن هذه الأخطاء.
.. ما الأخطاء التي اعترف بها أمامكم؟
- لم نتحدث بشكل مفصل عن المسألة لأن الأجواء لم تكن تحتمل.
.. هل شعرت بإحساسه بالذنب؟
- ليس شعورا بالذنب بل إحساس بأن هناك أخطاء أدت إلي هذه النتائج التي يشهدها العراق ، وعندما نتحدث عن كونه أقر بأن هناك أخطاء أدت إلي احتلال العراق فهذا يعني أنه كان بينه وبين نفسه يشعر بالندم، ربما كان هذا يحدث ، وخصوصا مع شخص علي شاكلته فإحدي ميزاته أنه كان لا يهرب من أي مشكلة حتي أثناء المحاكمة وبالتالي فهو قادر علي مواجهة مشكلاته، وهو ما بدا في مواجهته للمشنقة فقد واجهها برفض تغطية وجهه ،
فلم يكن صدام يهرب من الأزمات وكان ذلك جزءا من تكوينه الشخصي وبالتالي كان قادرا علي مواجهة نفسه بأخطائه واتصور أن العمر لو امتد به قليلا والمحاكمات انتهت بشكل أو بآخر كنا سنسمع تفاصيل أكثر.
.. ألا تري أن هذا الاحساس بارتكاب أخطاء جاء متأخرا؟
- عندما يتذكر أخطاءه لا يمكنه أن يتهم نفسه بالتأخر في اكتشاف هذه الأخطاء ، وعندما ترتكب الخطأ لا يمكن أن ترتكبه وأنت متعمد إلا إذا كنت أحمق ، وأنا لا أعتقد أن أحداً يمكنه أن يتهم صدام بأنه أحمق وبالتالي فهو ارتكب أخطاء كبيرة وعظيمة بقدر تجربة العراق العظيمة والكبيرة والتي لا ينكرها إلا غبي ، شأنها شأن سياسة عبدالناصر في مصر فلا ينكرها إلا غبي حتي لو اختلفنا مع عبدالناصر وسياساته ، فلا يمكن أن ننكر أن تجربة عبد الناصر عظيمة وثرية قد تختلف معها مائة في المائة ولكن لا يمكن أن تصفها بغير أنها تجربة مهمة في التاريخ المصري.
.. وبالنسبة لقضية الدجيل كيف كان يراها ؟ وهل اعتبرها أحد أخطائه؟
- لم تكن هناك قضية وكان يراها كذلك مثلنا جميعا ، فالأمر كان يتعلق بمحاولة لاغتيال رئيس جمهورية ، وتم القبض علي المئات وأطلق سراح معظمهم وتم محاكمة ١٤٨ شخصاً وانتهي الأمر بإعدامهم فأين الموضوع في ذلك ، فمحاولة اغتيال جورج بوش في الكويت التي فشلت دعته إلي دك العراق ٤ أيام متتالية بقنابل عنقودية ،
فأي قضية يتحدث عنها هؤلاء خصوصا أن حزب الدعوة الشيعي يتباهي بأنه هو الذي خطط لمحاولة الاغتيال ووقتها كان أنصاره يعيشون في إيران أي في دولة في حالة حرب مع العراق ، وكونه خاطئا أو لا فهذا موضوع آخر ، أما في العرف القانوني فهم خونة عملاء ، وأريد أن أضرب مثلا .. تخيل أنه أثناء حرب ٧٣ جاء شخص ما لاغتيال الرئيس السادات فماذا سنسميه بغير الخيانة؟
.. يري البعض أن إعدام صدام لم يكن إعداماً بل اغتيال.
ـ كنت أول من استخدم تعبير الاغتيال لوصف ما حدث مع صدام حسين، فقد كان اغتيالاً بغدر وخسة، فما حدث لم يرتكز علي أسس قانونية أو سياسية، ولست متجاوزاً إذا قلت إن ما حدث ضرب بكل القيم الأخلاقية والإنسانية عرض الحائط، وأسوأ ما في الأمر أن المشاعر الإنسانية لم تراع ومسألة ضرب القوانين قد نستوعبها لأننا نراها يومياً في دولنا، لكن عدم احترام المشاعر والقيم الإنسانية في إعدام شخص تحت الأسر وتصويره وتعمد إهانته وهو علي حبل المشنقة، فلا أعتقد أن هناك شخصاً عاقلاً يقبل بمثل هذا الأمر.
.. ما تقييمك كقانوني للمسألة برمتها؟
ـ الموضوع في الأساس قرار سياسي من أمريكا وجورج بوش شخصياً، ودعني هنا أفرق بين بوش وعناصر كثيرة في الإدارة الأمريكية، وعندي يقين بمعلومات أن جزءا من الإدارة الأمريكية ضد السياسة الأمريكية في العراق، ولكن بوش بصلاحياته الدستورية كان صاحب القرار الوحيد، فهو الذي أصر علي أن يصل الأمر إلي هذا المدي حتي تم وصفه بـ«الغبي».
.. كانت هناك مجادلة بين صدام والقائمين بإعدامه أثناء مشهد الإعدام.. ألا تري أن ذلك المشهد يتناقض مع جلال واحترام فكرة الموت والقصاص؟
ـ كان هؤلاء يعوون كالكلاب في مواجهته ونادوا باسم مقتدي الصدر وبالتالي فهؤلاء من فرق الموت التابعة لجيش المهدي الممولة إيرانياً، فقد كانت هناك نزعة طائفية في إعدامه، وهي مسألة لا يقبلها عرف ولا قانون، وأنا مع ليدو زميلنا الفرنسي في هيئة الدفاع الذي تقدم الأربعاء الماضي بطلب للمفوضية السامية لحقوق الإنسان لفتح تحقيق دولي في واقعة اغتيال صدام حسين.
.. هل تحركت في دفاعك عن صدام حسين من منطلق قومي أم مهني؟
ـ بالتأكيد ليست المسألة فرصة مهنية بالنسبة لي، فقد كانت المسألة متجاوزة ذلك، فأنا لا أقبل علي أي نحو أن تقوم الإدارة الأمريكية وتحيل قائداً وزعيماً إلي المحاكمة حتي ولو كنت شخصياً ضد الرئيس، فلو مثلاً تصورت أني ضد حكم الرئيس مبارك وأنا ضده، واحتل الأمريكان مصر فسأكون بجانب حسني مبارك ولو قدر له الإحالة إلي المحاكمة سأكون أول المتطوعين للدفاع عنه، ليس بصفته ولكن لأن هذه الحالة مهانة لنا جميعاً، ولذا فقد كنت في محاكمة صدام حسين أدافع عن نفسي.
.. هل أنت مرتاح لوصف صدام بالشهيد في ظل كل ما أثير عنه وورد في حديثك عن أخطائه؟
ـ أنا مرتاح تماماً لوصف الشهيد وهو وصف لا يليق إلا بمن هم علي شاكلة صدام حسين، بمعني أنه لو كان الأمر قد تعلق بمحاكمة تتحقق فيها شروط المحاكمة العادلة لكان الأمر قد اختلف، أما عندما يحتل بلد ويؤسر قادته السياسيون ولا يعاملون كأسري حرب بل يعاملون كمجرمين ويقف هؤلاء القادة شامخي الرؤوس في مواجهة المحتل وأذنابه من الخونة، ثم مشهد الإعدام نفسه، كل ذلك يجعل منه شهيداً، ولحظة الإعدام تمسح كل الأخطاء التي سبقته في تقديري.
.. ما النقاط التي احتواها دفاعك عن صدام؟
ـ كان دفاعي في الشكل والموضوع فيما يخص المحاكمة، فدافعت بأنه لم يتوافر الحد الأدني من حقوق الدفاع، ولم تتوافر شروط المحاكمة العادلة، ولم يمكن الدفاع من الإدلاء بدفاعه أصلاً ثم لم تقرأ مذكرات الدفاع ويرد عليها عند الحكم الأول، والأخطر من ذلك أن محكمة التمييز قد أصدرت حكمها بالتصديق علي الحكم في ثمانية أيام مع الأخذ في الاعتبار أن الحكم صدر فيما يزيد علي ٣٧٠ صفحة والمذكرات المقدمة من الدفاع تزيد علي ١٥٠٠ صفحة فضلاً عن أن القضية نفسها كانت صفحاتها تزيد علي ١٣ ألف صفحة فكيف يمكن لمحكمة التمييز ـ تعادل محكمة النقض المصرية ـ أن تقرأ صفحات القضية والحكم ومذكرات الدفاع في ثمانية أيام، خصوصاً أن القانون يلزم محكمة التمييز بأن ترد علي كل سبب من أسباب الطعن علي الحكم، وبالتالي فمن الواضح أنه لم يكن هناك أي شرط من شروط المحاكمة العادلة سواء في المحكمة الأولي أو في محكمة التمييز.
.. هل قص لك أحد زملائك من المحامين شيئاً عن آخر ٢٤ ساعة في حياة صدام؟
ـ في اليوم قبل الأخير التقي به ثلاثة من فريق الدفاع وهم الدكتور وديد فوزي «محام عراقي» والدكتور أحمد الصديق «محام تونسي» والأستاذ عصام غزاوي «محام أردني».
.. ماذا حدث خلال هذا اللقاء؟
ـ في هذه الزيارة كان يحاول فريق الدفاع إطلاعه علي أن الأمور تتسارع نحو تنفيذ الحكم وأنهم ربما يقومون بتنفيذ الحكم خلال أيام قليلة، واستمر اللقاء حوالي ٣ ساعات.
.. هل جري ذلك فقط في هذا اللقاء أم تطرق الحديث إلي مفاوضات أو خلافه لتأجيله أو تخفيفه؟
ـ كانت هناك محاولة قانونية منا لوقف تنفيذ الحكم عبر دعوي قانونية في الولايات المتحدة، قد طلب ـ هو ـ ألا يزج به في مطالبات بوقف حكم الإعدام أو تخفيفه وكان ذلك قراره الواضح، أي رفض أن يطلب بنفسه إيقاف تنفيذ الحكم أو تخفيفه.
منقوووووووول
ومن ثم استمعنا لشهادة «محمد منيب» عضو فريق الدفاع عن صدام حسين ليحكي لنا تفاصيل تعمدنا أن تكون إنسانية لتنقل بعضا من ملامح اللحظات الأخيرة لرئيس العراق الراحل .. فإلي هذه التفاصيل:
.. بداية نرغب في تجاوز مشهد الإعدام للرئيس العراقي لنقترب أكثر من صدام الإنسان الذي رأيته من لحظة سجنه حتي إعدامه فلنبدأ بعدد المرات التي التقيته فيها؟
- كان هناك نوعان من اللقاءات مع الرئيس العراقي صدام حسين ، لقاءات عبر شاشة التليفزيون وكان ذلك بشكل يومي قبل جلسات المرافعة ، ففي كل جلسة للمرافعة حتي وقت امتناعنا عن حضور الجلسات كنا نلتقي به عبر شاشات التليفزيون لمدة نصف ساعة علي الأقل ،
وكان ذلك يتم قبل بدء أي جلسة في المحاكمة ، حيث يكون الرئيس صدام في غرفة أخري ونحن في غرفة المحامين ويتم اللقاء به عبر هذه الشاشة، وخلال هذا اللقاء كنا نتبادل التحيات وبعدها نتحدث عما سنفعله ويقص لنا أيضا ما حدث معه «أي لقاء تشاوري» وكانت هذه اللقاءات مسجلة وتتم متابعتها بشكل دقيق.
.. ما المحاور التي كان يتم التركيز عليها من قبل صدام معكم أثناء هذه اللقاءات ؟ وهل كان ينصرف الحديث عن المسائل الجدية ؟
- انطباعات الناس عن صدام أنه ذكي لكن دعني أقل إنه أذكي كثيرا مما نتصور فلم يكن يبدأ لقاءاته معنا بجدول أعمال ، فقد كان يتركنا نحدد ما الذي نريده ، فلو بدأنا المسألة بكلمات لطيفة ونحاول أن نجعله صباحا لطيفا يبتعد تماما عن موضوع المحاكمة ،
لم يكن يوقف هذا بل كان يستطرد معنا فيما نود أن نتحدث فيه ، وما لم نفتح معه موضوعا بما فيه المحاكمة لم يكن يتطرق إليه إلا في حالة واحدة وهي امتلاكه معلومة جديدة محددة يريد إيصالها لنا ، من قبيل توصيل معلومات له من الأمريكان أو طلبهم شيئا ما، أو يري أنه يجب التركيز علي شيء ما في موضوع المحاكمة.
.. اضرب لنا أمثلة من المعلومات أو الموضوعات الجديدة التي كانت تصل إليه وأبلغكم إياها؟
- هناك أشياء كثيرة أنوي أن أذكرها في كتاب لي وأعتقد الآن أني لن أجد شيئا أكتبه في هذا الكتاب ، ولكن سأذكر لك أن من هذه الأمور التي كان يذكرها حديثه عن طريقة التعامل مع المحاكمة ، فكنا أحيانا نقرر تعليق الحضور في المحكمة وقد حدث هذا أكثر من مرة ، وفي بعض الأحيان كان يقرأ المحكمة بشكل مختلف ، فينصحنا مثلا بإرجاء قرار التعليق لجلسة اليوم الذي نحن بصدده لأنه كان يتوقع أن هذه الجلسة سيثار فيها محور ما بعينه ، ولم يكن المحامون متوقعين إثارة مثل هذا الأمر ،
وأنا لا أتذكر أنه أخطأ مرة في تقدير هذا الأمر ، وكانت هذه النصائح ليست حاضرة في هذا الأمر فحسب بل أيضا في القانون ، وهذا لا يعني أن أقول بأنه يفهم في القانون أكثر منا ولكنه عندما كان يتحدث في القانون فإن ذلك لم يكن يتم إلا حينما يكون متأكدا وواثقا مما يقول.
.. نريد الاستزادة من هذه الأمثلة؟
- هناك نقطة أخري متعلقة بفكرة التعامل مع هيئة المحكمة ، فرغم أنه كان يعلم ويدرك أنها معينة من قبل المحتل الأمريكي وأن اعضاءها مجرد أدوات في يد الاحتلال ، غير أنه كان يثق بشدة في الضمير العربي العراقي ، أي أنه كان يثق في أن هناك لحظة ما ستأتي علي كل قاض جالس علي منصة القضاء ، سيراجع فيها نفسه فيعود إلي الصواب،
وإذا استرجعت شريط المحاكمة ستجد أن القاضي الأول لمحكمة الدجيل «محمد رزكار أمين» كان قد بدأ متشددا للغاية في البداية ، ولكنه انسحب بعد ذلك وأعلن أن انسحابه جاء بعد الضغوط التي تعرض لها ، وهذا القاضي نفسه أدان حكم الإعدام كما أدان طريقة تنفيذ الإعدام ، ورغم أنه كردي الأصل غير أنه لم يحتمل من خلال ضميره كقاض ، كما أن القاضي الآخر «عبدالله العامري» في قضية «الأنفال» عندما اتجه
إلي أن يكون محايدا لم تحتمل السلطة التنفيذية ذلك فقررت تغييره بالقاضي الحالي «محمد العريبي» الذي لا يصلح أن يكون قاضيا بعكس العامري الذي كان قاضيا متميزا بحق ومثل هذه الأنواع مثل القاضي «العريبي» هو الذي يهين القضاء وليس هذا تعريضا به بل إني أحترم كل منصة قضاء حتي لو كانت في بلد صغير في أفريقيا ولكن عندما يحترمها ويقدرها من يجلس عليها.
.. وكيف كانت لقاءاتك المباشرة به؟
- كان اللقاء الواحد من هذه اللقاءات يمتد أحيانا إلي أربع ساعات وبالتالي كان فرصة لتداول كل ماشئنا من قضايا تبدأ من أوضاعه داخل السجن علي المستوي الصحي والنفسي والمعيشي، أي الأكل والشرب والملبس والأدوات وكل ما يحتاجه البشر في حياتهم اليومية ، وتنتهي بالتحليل السياسي لطبيعة الصراع الدائر حاليا في العراق بما فيه من تفاصيل من نوع المقاومة وإلي ماذا وصلت والخسائر الأمريكية ، والعامل الطائفي وهو، ونحن كنا نعلم أن هذه اللقاءات المباشرة كانت أيضا مسجلة.
.. طوال لقاءاتكم التي كانت تمتد إلي أربع ساعات تحدثت عن لجوئه إلي التحليل السياسي للمشهد العراقي فهل كان يتطرق للمشهد العربي بشكل عام؟
- في المشهد العراقي كان يبدأ أولا بالاستماع إلينا وإلي الأخبار الخاصة بذلك المشهد ، وكنا حريصين جميعا أن يعلم منا جميع التفاصيل التي ترد عن العراق في وكالات الأنباء والصحف والمعلومات التي تتواتر إلينا عما يحدث علي الأرض في العراق أو الوطن العربي ،
وبناء علي ما كان يسمع منا كان عادة ما ينهي الأمر بتحليل سياسي يومي في يوم اللقاء عن المشهد الذي يراه من خلال ما ننقله إليه. وكان يري أن المقاومة في العراق بغض النظر عن صدام أو البعث ، أي بغض النظر عن مدي القوة النسبية في هذه المقاومة لأنه كان يعلم أن هذه المقاومة تمثل أطيافا متعددة ، كما كان يدرك أن هذه المقاومة في تزايد واستمرارية ، وكان يثق بأن أطيافا كثيرة في الشارع العراقي بما فيها الطيف الشيعي ستكون عنصرا مؤثرا في المقاومة نفسها ،
وأن الشيعة العرب العراقيين مختلفون تماما عن هؤلاء الشيعة الذين جاءوا علي ظهر دبابات الاحتلال ، وكما تعلم ويعلم الجميع أنه قد حدث أيام صدام نوع من الذوبان الحقيقي بين الطوائف فقد كان هناك تزاوج يومي بين الطائفتين الشيعية والسنية في حالة جعلت من الصعب التفرقة بين الشيعي والسني وبالتالي فقد كان يدرك أن من مصلحة هؤلاء كشعب عدم اللجوء إلي الاصطفاف الطائفي ، لأنه ضد مصلحتهم وفي رأيي أن ذلك قد حدث الآن ، وأعلم وعن يقين أن بعض الشيعة العرب في العراق يناضل في صفوف المقاومة.
.. هل كان يعتقد أن هناك من يقاومون إيمانا بصدام كرمز؟
- نعم كان يعلم أن هذا يحدث.
.. وحتي من غير البعثيين؟
- طبعا فهو كان يحاول أن تكون رسالته دائما التي نحملها وننشرها تباعا متركزة حول أن صدام هو أحد مواطني الشعب العراقي ، فمن يحب صدام فعليه أن يقاتل من أجل قضية التحرير ذاتها وليس من أجل صدام نفسه ، فهو قد يذهب ويجيء مكانه آخرون ولذا كان الهدف هو أن يظل العراق ويبقي ، وكان واضحا في هذا الأمر.
.. هل قص لكم صدام تفاصيل مشهد إلقاء القبض عليه ؟
- المشهد الذي رأيناه في التليفزيون ليس حقيقيا فلم يتم إلقاء القبض عليه بهذه الطريقة فهو لا يتذكر أبدا هذا المشهد وكل ما يتذكره أنه كان يستريح عند الخائن الذي أبلغ عنه في إحدي الغرف المجاورة للدار.
.. ما اسم هذا الشخص؟
- أعلم اسمه ولكن لن أذكره حاليا بل سأذكره في الوقت المناسب وهو حاليا محتجز برضاه تحت حراسة أمريكية ولا يغادر مكانه أبدا وقد حصل علي المكافأة التي تبلغ ٢٥ مليون دولار ويحتفظ بها في مكان احتجازه.
.. هل هو سني وينتمي لعشيرة صدام؟
- نعم هو سني وينتمي لعشيرة صدام كما أنه بعثي ، ولذلك لابد أن نقول بأن الخيانة ليس لها علاقة بطائفة أو دين أو عشيرة ، فالخيانة خيانة في أي مكان ، في مصر لدينا خونة ولذا لا نستكثر علي العراق أن يكون فيه خونة.
.. ما مطالبه الشخصية التي كان يذكرها أمامكم؟
- الغريب أنه كان لا يطلب شيئا طوال لقاءاتنا به.
.. ألا يختلف ذلك عما رأيناه من مشاهد مهينة وهو يخدم نفسه بغسيل ملابسه وما إلي ذلك؟
- لم تكن هذه مشاهد مهينة ، هذا خطأ في التفسير من جانبنا ، فماذا نتوقع من سجين وخصوصا إن كان نظيفا، ودليل حرصه علي النظافة هذه الصورة التي نشرتها وسائل الإعلام فقد كان يهتم بغسيل ملابسه بنفسه لأنه لا يوجد معه خدم أو خلافه ليقوموا بذلك فالطبيعي أن يقوم بذلك بنفسه وهذا لا يهينه ولا يشينه بل بالعكس يجعلنا نكبره جميعا فهو أكثر تواضعا من أي شخص بالرغم من كونه القائد المهيب الركن «صدام حسين».
.. هل طلب صدام في بداية سجنه مصحفا ليقرأ فيه أم أن إدارة السجن هي التي قامت بتسليمه إياه؟
- هو لم يتسلم المصحف ، فهناك قصة لهذا المصحف ، فمنذ أن تم اعتقاله كان يحتفظ بنسخة أخري من المصحف غير التي كنا نراها معه في الصور ، ففي الأيام الأولي من اعتقاله دخلوا عليه الزنزانة وأخرجوا كل محتوياتها بما فيها المصحف.
.. هل كان هذا المصحف معه وقت إلقاء القبض عليه؟
- كان أول شيء طلبه عند دخوله السجن هو المصحف ، ولكن النسخة الأخري التي نتحدث عنها مختلفة عن التي تسلمها من إدارة السجن ، وبدأت قصة هذه النسخة عندما كانوا يقتادونه إلي إحدي غرف التحقيق ووقتما كان يسير وسط حراسة في أحد الأماكن التي يعلمها جيدا في أحد قصوره وكان يعلم أن قصور الجمهورية العراقية قد نهبت وكان من بين محتويات هذه القصور المصاحف التي كان يطبعها دائما وجد مصحفا ملقي علي الأرض محترق الجوانب ومتسخاً جدا ومفتوحاً علي إحدي الصفحات
وقال لنا إن عينه ظلت مركزة علي هذا المصحف وتحايل علي الحرس عندما اقترب من مكان المصحف مدعيا انزلاق قدمه ليغافلهم بالتقاط المصحف المحترق ومن يومها وهذا المصحف لا يفارقه إلي أن سلمه لأحد الاشخاص والذي طلب أن يتسلمه منه بنفسه قبل لحظات من إعدامه.
.. من هذا الشخص؟
- صعب الإعلان عنه الآن حرصا علي أمنه.
.. هل هو أحد أبناء عشيرته؟
- بغض النظر عن اسمه فهو أحد المحامين المدافعين عنه وأنت تعلم أنه قد تم اغتيال ٥ محامين من فريق الدفاع عنه وبالتالي فالحفاظ علي من تبقي منهم «مهم».
.. هل هو الدليمي؟
- ليس الدليمي فالدليمي معروف للجميع الآن فهو المطلوب الأول علي قائمة فرق الموت، ولعلمك فإن صورنا جميعا معلقة في بغداد بما فيها صورة شخصي المتواضع والمطلوب فيها قتلنا جميعا في أي مكان في العالم.
.. كيف كان حديثه عن مصر ومصر قد ساهمت في تشكيل وجدانه الخاص في الفترة التي قضاها بالقاهرة؟
- المكان الوحيد الذي كان عندما يتحدث عنه لا يفرق بينه وبين العراق ، وحالة العشق التي يكنها لمصر وشعبها كانت تتجاوز الحدود وتثير حفيظة بعض أصدقائنا العراقيين أحيانا ، فقد كان عاشقا لمصر ويعلم طبيعة ومعدن المصريين البسطاء.
.. هل كان يفرق بين مصر الآن ومصر عبدالناصر؟
- الحديث عن مصر عبدالناصر ، كان بالطبع مختلفا ، ولكنه كان ذكيا لدرجة أنه لم يحاول الاساءة إلي مصر الآن وكان يلتمس لسياسييها الاعذار عندما كنا ننتقد أمامه النظام المصري.
.. أعذار مثل ماذا؟
- أعذار مثل أنهم مضغوط عليهم من الأمريكيين وما تحت يدهم من أدوات لا يساعدهم فضلا عن أن الضغط القادم من واشنطن شديد ، فقد كان يحاول التماس الأعذار لدينا من شدة هجومنا علي النظام المصري والأنظمة العربية.
.. أي كان محامي الأنظمة أمام هجماتكم اللفظية؟
- نعم كان محاميهم أمامنا ويلتمس لهم العذر في تأييد الولايات المتحدة.
.. هل كانت هذه اللقاءات تأخذ مسحة الجدية؟
- أبدا فقد كان اللقاء يبدأ بالتحيات والسؤال عن الصحة والعافية والأسر والزاوج والطلاق وبعض النكات المصرية.
.. هل كان هو الذي يطلقها؟
- أنا كنت دائما ألقيها عليه فقد كان يطلبها مني ولكن بصنعة لطافة.
.. ما آخر نكتة قلتها أمامه؟
- لا أتذكر ، ولكنه كان يتعمد أن «ينكشني» ليس لإلقاء نكتة فحسب بل للممازحة كما يحدث في أحاديث المصريين اليومية.
.. هل تحدث إليكم عن شعوره بالذنب من أي فعل قام به؟
- كان واضحا جدا في أن هناك أخطاء قد ارتكبت وأنه مسئول عن هذه الأخطاء.
.. ما الأخطاء التي اعترف بها أمامكم؟
- لم نتحدث بشكل مفصل عن المسألة لأن الأجواء لم تكن تحتمل.
.. هل شعرت بإحساسه بالذنب؟
- ليس شعورا بالذنب بل إحساس بأن هناك أخطاء أدت إلي هذه النتائج التي يشهدها العراق ، وعندما نتحدث عن كونه أقر بأن هناك أخطاء أدت إلي احتلال العراق فهذا يعني أنه كان بينه وبين نفسه يشعر بالندم، ربما كان هذا يحدث ، وخصوصا مع شخص علي شاكلته فإحدي ميزاته أنه كان لا يهرب من أي مشكلة حتي أثناء المحاكمة وبالتالي فهو قادر علي مواجهة مشكلاته، وهو ما بدا في مواجهته للمشنقة فقد واجهها برفض تغطية وجهه ،
فلم يكن صدام يهرب من الأزمات وكان ذلك جزءا من تكوينه الشخصي وبالتالي كان قادرا علي مواجهة نفسه بأخطائه واتصور أن العمر لو امتد به قليلا والمحاكمات انتهت بشكل أو بآخر كنا سنسمع تفاصيل أكثر.
.. ألا تري أن هذا الاحساس بارتكاب أخطاء جاء متأخرا؟
- عندما يتذكر أخطاءه لا يمكنه أن يتهم نفسه بالتأخر في اكتشاف هذه الأخطاء ، وعندما ترتكب الخطأ لا يمكن أن ترتكبه وأنت متعمد إلا إذا كنت أحمق ، وأنا لا أعتقد أن أحداً يمكنه أن يتهم صدام بأنه أحمق وبالتالي فهو ارتكب أخطاء كبيرة وعظيمة بقدر تجربة العراق العظيمة والكبيرة والتي لا ينكرها إلا غبي ، شأنها شأن سياسة عبدالناصر في مصر فلا ينكرها إلا غبي حتي لو اختلفنا مع عبدالناصر وسياساته ، فلا يمكن أن ننكر أن تجربة عبد الناصر عظيمة وثرية قد تختلف معها مائة في المائة ولكن لا يمكن أن تصفها بغير أنها تجربة مهمة في التاريخ المصري.
.. وبالنسبة لقضية الدجيل كيف كان يراها ؟ وهل اعتبرها أحد أخطائه؟
- لم تكن هناك قضية وكان يراها كذلك مثلنا جميعا ، فالأمر كان يتعلق بمحاولة لاغتيال رئيس جمهورية ، وتم القبض علي المئات وأطلق سراح معظمهم وتم محاكمة ١٤٨ شخصاً وانتهي الأمر بإعدامهم فأين الموضوع في ذلك ، فمحاولة اغتيال جورج بوش في الكويت التي فشلت دعته إلي دك العراق ٤ أيام متتالية بقنابل عنقودية ،
فأي قضية يتحدث عنها هؤلاء خصوصا أن حزب الدعوة الشيعي يتباهي بأنه هو الذي خطط لمحاولة الاغتيال ووقتها كان أنصاره يعيشون في إيران أي في دولة في حالة حرب مع العراق ، وكونه خاطئا أو لا فهذا موضوع آخر ، أما في العرف القانوني فهم خونة عملاء ، وأريد أن أضرب مثلا .. تخيل أنه أثناء حرب ٧٣ جاء شخص ما لاغتيال الرئيس السادات فماذا سنسميه بغير الخيانة؟
.. يري البعض أن إعدام صدام لم يكن إعداماً بل اغتيال.
ـ كنت أول من استخدم تعبير الاغتيال لوصف ما حدث مع صدام حسين، فقد كان اغتيالاً بغدر وخسة، فما حدث لم يرتكز علي أسس قانونية أو سياسية، ولست متجاوزاً إذا قلت إن ما حدث ضرب بكل القيم الأخلاقية والإنسانية عرض الحائط، وأسوأ ما في الأمر أن المشاعر الإنسانية لم تراع ومسألة ضرب القوانين قد نستوعبها لأننا نراها يومياً في دولنا، لكن عدم احترام المشاعر والقيم الإنسانية في إعدام شخص تحت الأسر وتصويره وتعمد إهانته وهو علي حبل المشنقة، فلا أعتقد أن هناك شخصاً عاقلاً يقبل بمثل هذا الأمر.
.. ما تقييمك كقانوني للمسألة برمتها؟
ـ الموضوع في الأساس قرار سياسي من أمريكا وجورج بوش شخصياً، ودعني هنا أفرق بين بوش وعناصر كثيرة في الإدارة الأمريكية، وعندي يقين بمعلومات أن جزءا من الإدارة الأمريكية ضد السياسة الأمريكية في العراق، ولكن بوش بصلاحياته الدستورية كان صاحب القرار الوحيد، فهو الذي أصر علي أن يصل الأمر إلي هذا المدي حتي تم وصفه بـ«الغبي».
.. كانت هناك مجادلة بين صدام والقائمين بإعدامه أثناء مشهد الإعدام.. ألا تري أن ذلك المشهد يتناقض مع جلال واحترام فكرة الموت والقصاص؟
ـ كان هؤلاء يعوون كالكلاب في مواجهته ونادوا باسم مقتدي الصدر وبالتالي فهؤلاء من فرق الموت التابعة لجيش المهدي الممولة إيرانياً، فقد كانت هناك نزعة طائفية في إعدامه، وهي مسألة لا يقبلها عرف ولا قانون، وأنا مع ليدو زميلنا الفرنسي في هيئة الدفاع الذي تقدم الأربعاء الماضي بطلب للمفوضية السامية لحقوق الإنسان لفتح تحقيق دولي في واقعة اغتيال صدام حسين.
.. هل تحركت في دفاعك عن صدام حسين من منطلق قومي أم مهني؟
ـ بالتأكيد ليست المسألة فرصة مهنية بالنسبة لي، فقد كانت المسألة متجاوزة ذلك، فأنا لا أقبل علي أي نحو أن تقوم الإدارة الأمريكية وتحيل قائداً وزعيماً إلي المحاكمة حتي ولو كنت شخصياً ضد الرئيس، فلو مثلاً تصورت أني ضد حكم الرئيس مبارك وأنا ضده، واحتل الأمريكان مصر فسأكون بجانب حسني مبارك ولو قدر له الإحالة إلي المحاكمة سأكون أول المتطوعين للدفاع عنه، ليس بصفته ولكن لأن هذه الحالة مهانة لنا جميعاً، ولذا فقد كنت في محاكمة صدام حسين أدافع عن نفسي.
.. هل أنت مرتاح لوصف صدام بالشهيد في ظل كل ما أثير عنه وورد في حديثك عن أخطائه؟
ـ أنا مرتاح تماماً لوصف الشهيد وهو وصف لا يليق إلا بمن هم علي شاكلة صدام حسين، بمعني أنه لو كان الأمر قد تعلق بمحاكمة تتحقق فيها شروط المحاكمة العادلة لكان الأمر قد اختلف، أما عندما يحتل بلد ويؤسر قادته السياسيون ولا يعاملون كأسري حرب بل يعاملون كمجرمين ويقف هؤلاء القادة شامخي الرؤوس في مواجهة المحتل وأذنابه من الخونة، ثم مشهد الإعدام نفسه، كل ذلك يجعل منه شهيداً، ولحظة الإعدام تمسح كل الأخطاء التي سبقته في تقديري.
.. ما النقاط التي احتواها دفاعك عن صدام؟
ـ كان دفاعي في الشكل والموضوع فيما يخص المحاكمة، فدافعت بأنه لم يتوافر الحد الأدني من حقوق الدفاع، ولم تتوافر شروط المحاكمة العادلة، ولم يمكن الدفاع من الإدلاء بدفاعه أصلاً ثم لم تقرأ مذكرات الدفاع ويرد عليها عند الحكم الأول، والأخطر من ذلك أن محكمة التمييز قد أصدرت حكمها بالتصديق علي الحكم في ثمانية أيام مع الأخذ في الاعتبار أن الحكم صدر فيما يزيد علي ٣٧٠ صفحة والمذكرات المقدمة من الدفاع تزيد علي ١٥٠٠ صفحة فضلاً عن أن القضية نفسها كانت صفحاتها تزيد علي ١٣ ألف صفحة فكيف يمكن لمحكمة التمييز ـ تعادل محكمة النقض المصرية ـ أن تقرأ صفحات القضية والحكم ومذكرات الدفاع في ثمانية أيام، خصوصاً أن القانون يلزم محكمة التمييز بأن ترد علي كل سبب من أسباب الطعن علي الحكم، وبالتالي فمن الواضح أنه لم يكن هناك أي شرط من شروط المحاكمة العادلة سواء في المحكمة الأولي أو في محكمة التمييز.
.. هل قص لك أحد زملائك من المحامين شيئاً عن آخر ٢٤ ساعة في حياة صدام؟
ـ في اليوم قبل الأخير التقي به ثلاثة من فريق الدفاع وهم الدكتور وديد فوزي «محام عراقي» والدكتور أحمد الصديق «محام تونسي» والأستاذ عصام غزاوي «محام أردني».
.. ماذا حدث خلال هذا اللقاء؟
ـ في هذه الزيارة كان يحاول فريق الدفاع إطلاعه علي أن الأمور تتسارع نحو تنفيذ الحكم وأنهم ربما يقومون بتنفيذ الحكم خلال أيام قليلة، واستمر اللقاء حوالي ٣ ساعات.
.. هل جري ذلك فقط في هذا اللقاء أم تطرق الحديث إلي مفاوضات أو خلافه لتأجيله أو تخفيفه؟
ـ كانت هناك محاولة قانونية منا لوقف تنفيذ الحكم عبر دعوي قانونية في الولايات المتحدة، قد طلب ـ هو ـ ألا يزج به في مطالبات بوقف حكم الإعدام أو تخفيفه وكان ذلك قراره الواضح، أي رفض أن يطلب بنفسه إيقاف تنفيذ الحكم أو تخفيفه.
منقوووووووول